عرض المشاركة وحيدة
  #10  
قديم 16/10/2006, 01:50 PM
السهم المسدد السهم المسدد غير متواجد حالياً
عضو متميز
 
تاريخ الانضمام: 08/09/2002
الإقامة: شواطئ الصحراء
المشاركات: 1,007
4- تقديس الرواية على حساب القرآن (2-2):



بعدها بدأت عجلة الضخ الإعلامي تدور مروجة لثقافة الرواية ومحاربة كل ما من شأنه يرجع هيبة القرآن الكريم ومكانته،

وكانت البداية في التنفير من العقلاء الذين طالبوا بالإبقاء على هيبة القرآن وهيمنته التشريعية، وقالوا: (إذا حدّثت الرجل بالسنة، فقال: دعنا من هذا وحدثنا من القرآن. فاعلم أنه ضال مضل)([44]). ورووا أن الشيخ أبو بكر أحمد بن إسحاق كان يناظر رجلاً، فقال الشيخ: حدثنا فلان. فقال له الرجل: دعنا من حدّثنا إلى متى حدّثنا. فقال له الشيخ: قم يا كافر، ولا يحل لك أن تدخل داري بعد هذا)([45]).

وكل من انتقد المنهج الحديثي وحزبه يتم حشره في قائمة الزنادقة والخارجين عن الملة، فقد قيل لأحمد بن حنبل: (يا أبا عبدالله، ذكروا لابن أبي فتيلة بمكة أصحاب الحديث فقال: أصحاب الحديث قوم سوء، فقام أبو عبدالله وهو ينفض ثوبه فقال:: زنديق! زنديق! زنديق! ودخل البيت)([46]).

ولإضفاء القدسية على النهج الحديثي قام أهل الحديث بسك وتعليب الروايات التي تضفي القدسية عليهم وعلى مروياتهم، فقد نسب هؤلاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يزال أناس من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة)([47]).

وعلق أحمد بن حنبل على هذه الرواية بالقول: (إن لم تكن هذه الطائفة المنصورة أصحاب الحديث فلا أدري من هم)([48]).

وقالوا أن أهل الحديث هم (حزب الرسول وأتباع الوحي وأوعية الدين، وخزنة العلم الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه فقال: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ}التوبة: 100، وكفى بالمحدّث شرفاً أن يكون اسمه مقروناً باسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكره متصلاً بذكره)([49]).

وزعموا أن أعداء الدين لا يخافون من القرآن الكريم قدر خوفهم من الحديث والأسانيد التي يروى بها! فقد قال أبو نصر أحمد بن سلام: (ليس شيء أثقل على أهل الإلحاد ولا أبغض إليهم من سماع الحديث وروايته بإسناد)([50]).

وحين انتشرت ثقافة الرواية في الأمة بدأ أهل الحديث يأصلون لعلم الحديث وبدأوا يتحدثون عن عظمة علم الحديث وفضله على بقية العلوم –ومنها القرآن بالطبع- وجعلوا الحديث وأهله هما عماد الإسلام وركنه المتين الذي لولاهما لبطلت شريعة الإسلام وانهار قوامه، وزال الإيمان من دونهما،

فقالوا أن (علم الحديث من أفضل العلوم الفاضلة، وأنفع الفنون النافعة، يحبه ذكور الرجال وفحولهم، ويُعنَى به محققو العلماء وكَمَلتهم، ولا يكرهه من الناس إلا رُذالتهم وسفلتهم، وهو من أكثر العلوم تولجاً في فنونها)([51]).

وقالوا أيضاً: (لما كان ثابت السنن والآثار، وصحاح الأحاديث المنقولة والأخبار ملجأ المسلمين في الأحوال، ومركز المؤمنين في الأعمال، إذ لا قوام للإسلام إلا باستعمالها، ولا ثبات للإيمان إلا بانتحالها، وجب الاجتهاد في علم أصولها ولزم الحث على ما عاد بعمارة سبيلها)([52]).

وقالوا أيضاً: (لولا عناية أصحاب الحديث بضبط السنن وجمعها واستنباطها من معادنها والنظر في طرقها لبطلت الشريعة وتعطلت أحكامها)([53]).

حتى قال أحد متأخريهم: (لا يستطيع من يدرس موقف العلماء منذ عصر الصحابة إلى أن تم تدوين السنة من الوضع والوضاعين وجهودهم في سبيل السنة وتمييز صحيحها من فاسدها إلا أن يحكم بأن الجهد الذي بذلوه في ذلك لا مزيد عليه، وأن الطرق التي سلكوها هي أقوم الطرق العلمية للنقد والتمحيص، حتى لنستطيع أن نجزم بأن علماءنا رحمهم الله هم أول من وضعوا قواعد للنقد العلمي الدقيق للأخبار والمرويات بين أمم الأرض كلها، وأن جهدهم في ذلك جهد تفاخر به الأجيال وتتيه به على الأمم)([54])،

وقال أيضاً: (بتلك الجهود الموفقة التي سردناها عليك بإيجاز استقام أمر الشريعة بتوطيد دعائم السنة التي هي ثاني مصادرها التشريعية، واطمأن المسلمون إلى حديث نبيهم فأقصي عنه كل دخيل)([55]).

ولا نعلم لأي شيء نطمأن هل للروايات التي تزعم تحريف القرآن والزيادة والنقصان في آياته أم الروايات التي سنرى لاحقاً أنها كانت وراء تخلف الأمة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ونفسياً مع انها مروية في أصح كتب أهل الحديث!

_______الهامش_____


[44] الخطيب البغدادي "الكفاية في علم الرواية" ص16.

[45] الحاكم "معرفة علوم الحديث" ص2.

[46] المرجع السابق ص4.

[47] المرجع السابق ص2.

[48] المرجع السابق ص2.

[49] الخطيب البغدادي "الكفاية في علم الرواية" ص6

[50] الحاكم "معرفة علوم الحديث" ص4.

[51] ابن الصلاح "مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث" ص15.

[52] الخطيب البغدادي "الكفاية في علم الرواية" ص3.

[53] المرجع السابق ص3.

[54] مصطفى السباعي "السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي" ص108.

[55] المرجع السابق ص122.


يتبع: