الموضوع: اخــترت لـك
عرض المشاركة وحيدة
  #90  
قديم 20/04/2004, 05:32 PM
صورة عضوية صقر الخالدية
صقر الخالدية صقر الخالدية غير متواجد حالياً
عضو متميز جداً
 
تاريخ الانضمام: 06/09/2000
الإقامة: مسقط
المشاركات: 3,253
Talking

المثقفون والزواج
2004/03/31


إدريس الخوري

ذات يوم، طرح علي أحدهم سؤالا عابرا كأنه يتقصّد نفسه : لماذا يفشل المثقفون المغاربة في الزواج ؟ هل بسبب نرجسيتهم الزائدة وحساسيتهم المفرطة أم أن نساءهم لسن في مستواهم الثقافي والفكري ؟ قد يكون الأمر كذلك إذا ما وضعنا، في عين الاعتبار، طباع المرأة وسلوكها وأنثويتها أيضا، لكن النزعة الذكورية تبقي سمة أساسية في هذه العلاقة الزوجية غير المتكافئة لأن موضوع الارتباط جد شائك اجتماعيا ونفسيا وثقافيا، ومع ذلك فإني أري أن موضوع زواج المثقفين وفشله ليسا ظاهرة مغربية عربية فقط، بل إنه ظاهرة أوربية وأمريكية أيضا، أمامنا نموذج الكاتب الامريكي سكوت فيتزجيرالد مع زوجته السكيرة زيلدا، آرثر ميللر مع مارلين مونرو، سارتر مع سيمون دوبوفوار، بول بولز مع جين، إلخ.. فثمة حالات استقرار هنا وهناك تعيش وفق "وئام مدني"، حيث يتحمل كل طرف عبء الآخر علي مضض من أجل الأطفال والعيش والملح، ذلك أن المثقف المفترض هنا سيجد نفسه محاصراً في حريته الشخصية مقيداً بعدة التزامات عائلية لا "ثقافة" له عنها ولا مناص من الوفاء بها، فلا هو متزوج مائة بالمائة ولا هو حر مائة بالمائة، إنه مذبذب بين متعته اليومية (المقهي- الحانة الأصدقاء) وبين ما يسمي ب "الواجب العائلي" (التغذية- الأطفال- المدرسة- السرير) لذلك يبدأ جدار العلاقة في التشقق تدريجياً ويحدث الانهيار.
المثقف المغربي، في إطاره النفسي والاجتماعي العام، حالة إنسانية ملتبسة إن لم أقل معقدة بحكم تربيته الدينية ونشأته المحافظة في بيئة عمالية- فلاحية، غير قادر علي التمرحل مع مظاهر الحداثة التي تزخر بها المدينة (مثل الدار البيضاء والرباط وطنجة مثلا) حتي النهاية، فهو بين مد وجزر، بين الحفاظ علي هويته الذكورية (الفحولة والرجولة) وبين الاندماج في الحداثة مع ما تتطلب هذه الاخيرة من انفتاح ووعي، لذلك يجد نفسه موزعا بين عالمين متعارضين كلاهما مرٌّ. هل يستمر في وحدته النفسية والاجتماعية أم يؤثتها بكائن أنثوي يزيل عنه رتابة الوقت وأعباء البيت ؟ سيتزوج ذات يوم لامحالة من أجل ترميم وحدته، وعبره سيفرغ ما اختزنه من رغبات ظلت مكبوتة. هنا سينتمي إلي المؤسسة باعتبارها طقساً تقليدياً.
***
لا يختار المثقف كائنه- النموذج، بل يختار الجسد اللحم باعتباره استيهاماً، فهو حتماً لم يعرف المرأة في طفولته حتي تبقي قائمة في ذاكرته مع مر السنين، ولذلك تخلو العشيقة من حياة الكتاب والمثقفين العرب علي غرار ما نجد عند الكتاب الاوربين والامريكيين الذين لا يأبهون لمؤسسة الزواج، وحتي إن وجدت فهي مجرد كائن متخيل أو محلوم به في اللاوعي، أما إذا انخرطوا في مؤسسة الزواج فهو إرضاء لها وليس إرضاء للذات، كذلك الأمر في الأدب : إنه يكاد يخلو من عشيقات روائيات يلهمن الكاتب الروائي ويؤثتن فضاءه بنزقهن وتقلباتهن ورغباتهن اللاتنتهي.
ولعل الفارق الثقافي والاجتماعي، بله الطبقي، من المثقف وزوجته، سيساهم، بدوره، في حفر هوة عميقة بينهما ويجعل المسافة بعيدة، عندها يدب الفتور إليهما ويصبحان كائنين شبه منفصلين، فالزوجة تشد والرجل يطلق وبالعكس، وبتوالي الايام والشهور يسود الجفاء والبرود العاطفي والجنسي وتصبح العلاقة فاترة، هو نادم في سره علي الارتباط بها وهي كذلك، وسيزداد شروداً في أحلامه الطوباوية والنرجسية لأنه الزوجة، بالنسبة إليه، ليس إلا خادمة وسريرا بالليل، فإلي أين يتجه ؟ إلي الكتابة أم إلي البيت ؟ ينضاف إلي هذا المناخ المتوتر عنصر المصروف اليومي والنفقات الطارئة. ثمة شاعر لم يستطع إلي الآن أن يملأ ثلاجته، فكان يكتفي، كل يوم، بشراء وردة لزوجته وقنينة نبيذ أحمر وخبزة مستطيلة وربع كيلو من كفتة الخيول ! هو متزوج شرعاً، لكنه غير متزوج نفسيا، لذلك يهرب إلي الحانات. روائي آخر يضرب زوجته ولا يعود إلي البيت إلا في ساعات متأخرة من الصباح- مفكر وفيلسوف لا يُري حَرَمُه لضيوفه لأن عقليته ذكورية رغم ادعائه الحداثة- أستاذ جامعي كذلك- روائي آخر يلجأ إلي المقهي لأن زوجته ثرثارة وتحب الذهاب إلي الاعراس لسماع "الشيخات" !- ناقد يترك زوجته رهينة بالسيارة ليذهب إلي الحانة لاحتساء البيرة، قاص صموت ينام وحده لأن زوجته أصبحت إخوانية، إنها عقليات مزدوجة، ونحن لا ننبش في الحياة الشخصية للمثقفين، ولكننا نشير إلي المفترقات التي تجمع بين الوعي وبين السلوك، غير أن ثمة استثناءات نادرة.
أيضا، هناك مثقف متسلط ومعقد نفسيا وجنسيا وامرأة وديعة، امرأة متسلطة ورجل وديع. إن المثقف كائن استثنائي، فوضوي مثل شكري، لا التزام لـه غير نفسه، وقليلات هن اللواتي يتفهمن هذه الخاصية الفريدة التي "يتميز" بها المثقف فيخضعن لشروطها حفاظا علي سير المؤسسة، لقد مر مثقفون بتجارب زواج فاشلة وأصيبوا بصدمات نفسية- كهربائية لم يستطيعوا الفكاك منها، فكانوا أن أعادوا الكرة مع نساء أخريات لعل وعسي، لكن المسافة ما تزال محضورة.
فأين "السعادة " ؟
سعادة الكاتب وسعادة الحياة ؟
كاتب من المغرب
0

المصدر القدس العربى