عرض المشاركة وحيدة
  #11  
قديم 28/08/2006, 12:42 PM
alhabsi2006 alhabsi2006 غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 05/02/2006
المشاركات: 59
{ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُواْ ٱلْمُشِرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلْجَنَّةِ وَٱلْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } * { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ }
قوله: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ اليَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ }. قال بعض المفسّرين: لما نزلت هذه الآية:
{ وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ اليَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }
[الأنعام:152]، و[الإِسراء:34] [اشتدّت عليهم] فكانوا لا يخالطونهم في المال ولا في المأكل، ثم أنزل الله هذه الآية فنسختها. قال: { وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ المُفْسِدَ مِنَ المُصْلِحِ } [فَرَخص لهم]. قال الحسن: { إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ } أي توفير لأموالهم خير، والله يعلم المفسد الذي يأكل يتيمه ولا يكافيه من المصلح. قال: { وَلَوْ شَاءَ اللهُ لأَعْنَتَكُمْ } أي لترككم في المنزلة الأولى لا تخالطونهم، فكان ذلك عليكم عنتاً شديداً والعنت الضيق.

وقال بعض المفسّرين: { وَلَوْ شَاءَ اللهُ لأَعْنَتَكُمْ } أي: لجهدكم، فلم تقوموا بحق، ولم تودوا فريضة.

وقال مجاهد: { وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ } في الدين. ويعني بالمخالطة مخالطة اليتيم في الراعي والإِدام. قال: { وَلَوْ شَاءَ اللهُ لأَعْنَتَكُمْ } فحرّم عليكم الراعي والإِدام. قال: { إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }.

قوله: { وَلاَ تَنكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ } يتزوجها المسلم إذا لم يجد طولاً { خَيْرٌ مِّن مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ }. ثم نسخ منها المشركات من أهل الكتاب الحرائر في سورة المائدة، وأحل نساء أهل الكتاب فقال:
{ وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ }
[المائدة:5] والمحصنات في هذه الآية: الحرائر؛ فلا يحل تزويج الإِماء من أهل الكتاب، وتوطأ بملك اليمين، لأن الله يقول:
{ وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ المُحَصَناتِ المُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ المُؤْمِنَاتِ }
[النساء: 25]. ولا توطأ الأمة من المشركات من غير أهل الكتاب حتى تسلم، ولا تنكح حرة منهن حتى تسلم. قال الحسن: إذا قالت لا إله إلا الله وطئها.

قوله: { وَلاَ تُنكِحُوا المُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا } فحرّم الله أن يتزوّج المسلمةَ أحدٌ من المشركين. وهو قوله:
{ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحلُّونَ لَهُنَّ }
[الممتحنة:10].

قوله: { وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ } تتزوجه المسلمة { خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ } قال بعض المفسّرين: ولو قال: أنا ابن فلان بن فلان { أُوْلَئِكَ } يعني المشركين، { يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى الجَنَّةِ وَالمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ } أي بأمره. { وَيُبَيِّنُ ءَايَاتِهِ } أي الحلال والحرام { لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } أي لكي يتذكّروا.

قوله: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ } قال الحسن: إن الشيطان أدخل على أهل الجاهلية في حيض النساء ما أدخل على المجوس؛ فكانوا لا يجالسونهن في بيت، ولا يأكلون معهن ولا يشربون.

وقال بعضهم: كان أهل الجاهلية لا تساكنهم حائض ولا تؤاكلهم في إناء. قال الحسن: فلما جاء الإِسلام سأل المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله: { قُلْ هُوَ أَذًى }؛ أي: قذر { فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المَحِيضِ } أي: في الدم { وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ }.
{ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ } فاغتسلن { فَأْتُوهُنَّ }.

ذكروا عن سعيد بن جبير قال: { فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المَحِيضِ } ، أي: في الدم { وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ } فاغتسلن { فَأْتُوهُنَّ }.

ذكروا عن أبي هريرة أنه قال: الحيضة تبدأ فتكون دماً خاثراً، ثم يرق الدم فيكون صديداً، ثم يكون صفرة، فإذا رأت المرأة القصة البيضاء فهو الطهر.

ذكروا عن عبد الله بن الزبير أنه قال: يا أيها الناس لا تغتروا بنسائكم، فإن المرأة لا تطهر حتى ترى القصة البيضاء.

ذكروا عن عائشة أنها قالت: يكره للنساء أن ينظرن إلى أنفسهن ليلاً، وقالت: بذلك تكون الصفرة والكدرة.

وذكروا عن عائشة أنها قالت: إذا أدخلت المرأة القطنة فخرجت متغيّرة فلا تصلّي حتى تطهر.

ذكر بعضهم قال: إذا كانت الترية واصلة بالطهر فلا تصلي حتى تذهب.

ذكروا عن عقبة بن عامر أنه كان يكره أن يطأ امرأته في اليوم الذي تطهر فيه.

ذكروا عن عائشة أنها سئلت: ما يحل للرجل من امرأته إذا كانت حائضاً. فقالت: كل شيء ما خلا الفرج. غير واحد من العلماء أنهم سألوا عائشة ما يحل للرجل من امرأته إذا كانت حائضاً. قالت: كل شيء غير شعار الدم.

قوله: { فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ }. ذكروا عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: من حيث نهاكم الله، يعني قوله: { فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المَحِيضِ } ، يقول: فلا تأتوهن في الفرج وهو تفسير مجاهد.

قوله: { إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ } أي من الذنوب. ذكر بعض أهل العلم أنه قال: التائب من الذنب كمن لا ذنب له؛ ثم تلا هذه الآية: { إنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ } قال: إذا أحبّ الله عبداً لم يضره ذنب.

{ نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَلاَ تَجْعَلُواْ ٱللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }
قوله: { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } أي: كيف شئتم.

ذكر جابر عن عبد الله قال: قالت اليهود إن الرجل إذا أتى امرأته من خلفها جاء ولده أحول؛ فأنزل الله { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } أي: كيف شئتم: من بين يديها، وإن شئتم من خلفها، غير أن السبيل موضع الولد.

ذكروا عن الحسن أنه قال: قالت اليهود: يا أصحاب محمد، إنه لا يحل لكم أن تأتوا النساء إلا من وجه واحد، فأنزل الله: { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } أي كيف شئتم: من بين يديها: وإن شئتم من خلفها في فرجها.

ذكروا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الذي يأتر امرأته في دبرها هي اللوطية الصغرى ".

ذكروا عن ابن مسعود أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تأتوا النساء في موضع حشوشهن ".

ذكروا عن رجل من أصحاب النبي أنه سأله رجل عن الذي يأتي إمرأته في دبرها فقال: أفّ، أيريد أن يعمل عمل قوم لوط.

قوله: { وَقَدِّمُوا لأَِنفُسِكُمْ } يعني الولد. ذكروا عن أبي ذر أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهم الله الجنة بفضل رحمته إياهم ".

ذكروا عن ابن عمر أنه قال: لولا أن أصيب ولداً فيموت قبلي فأوجر فيه أو يبقى بعدي فيدعو لي ما باليت ألا أصيب ولداً.

ذكروا عن الحسن أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لأن أقدم سقطاً أحب إليّ من أن أخلف مائة فارس كلهم يجاهد في سبيل الله ".

قوله: { وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ } أي بالجنة.

قوله: { وَلاَ تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لأَِيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }. قال الحسن: كان الرجل يقال له: لم لا تبر أباك أو أخاك أو قرابتك، أو تفعل كذا، لخير، فيقول: قد حلفت بالله لا أبره، ولا أصله، ولا أصلح الذي بيني وبينه، يعتل بالله، فأنزل الله: لا تعتلوا بالله فتجعلوه عرضة لأيمانكم، يعني الحلف.

وقال بعض المفسّرين: لا تعتلوا بالله؛ أن يقول أحدكم: أنه لا يصل رحماً، ولا يسعى في صلاح، ولا يتصدق من ماله.

ذكروا عن إبراهيم أنه قال: سمعت رجالاً من أهل العلم يقولون في هذه الآية: { وَلاَ تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لأَِيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ } أي لا يحلف على معصية الله وقطيعة الرحم. فإن فعل فما أوجب الله من الكفارة.


ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإِمارة، فإنك إن تعطها عن مسألة تُكَلْ إليها، وإن تعطها عن غير مسألة تُعَن عليها. وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فات الذي هو خير، وكفر عن يمينك ".

ذكروا عن الحسن أنه قال: من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه إلا طلاقاً أو عتاقاً.

ذكروا عن الحسن أنه كان يقول في الرجل يقول: عليّ المشي إلى بيت الله إن كلمت أبي أو أمي أو كل معصية، أن يكفر عن يمينه.

{ لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱلَّلغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } * { لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآءُو فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَإِنْ عَزَمُواْ ٱلطَّلاَقَ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }
قوله: { لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ }. ذكروا عن عطاء أنه قال: دخلت أنا وعبيد [بن عمير] على عائشة فسألناها عن هذه الآية فقالت: هو قول الرجل: لا والله، وبلى والله.

ذكروا عن الحسن أنه قال: هو الشيء تحلف عليه وأنت ترى أنه كذلك فلا يكون كذلك.

ذكروا عن جعفر بن أبي وحشية أنه قال: قلت لسعيد بن جبير: قول الله { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم }: أهو الرجل يحلف على الشيء وهو يرى أنه كذلك فلا يكون كذلك؟ فقال لا، ولكنه تحريمك في يمينك ما أحلّ الله لك، فذلك الذي لا يؤاخذك الله بتركه.

قوله: { وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ } قال بعض المفسرين: ولكن يؤاخذكم بما تعمّدت قلوبكم، أي بما تعمّدت فيه المأثم، فهذا عليك فيه الكفارة. { وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ }.

قوله: { لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ } أي يحلفون من نسائهم { تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِن فَآؤوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }.

قال بعضهم: كانوا في الجاهلية وفي صدر من الإِسلام يغضب أحدهم على امرأته فيحلف بالله لا يقربها كذا وكذا، فيدعها لا أيما ولا ذات بعل؛ فأراد الله أن يعصم المؤمنين عن ذلك بحدّ يحدّه لهم، فحدّ لهم أربعة أشهر. والإِيلاء الحلف.

ذكروا عن الحسن عن عبد الله بن مسعود أنه قال: إذا مضت أربعة أشهر ولم يف فهي تطليقة بائنة. قال: وهو قول علي وعثمان وزيد بن ثابت وابن عباس.

وقال ابن عباس: عزم الطلاق انقضاء الأربعة الأشهر.

ذكروا عن ابن عمر وأهل المدينة أنهم قالوا: إذا مضت الأربعة الأشهر وقف فقيل له: إما أن تفيء وإما أن تطلق.

ذكروا عن عبد الله بن مسعود أنه قال: كل يمين منعت جماعاً فهي إيلاء؛ يعني أن المولى إذا وطىء في الأربعة الأشهر كانت عليه الكفارة. فأما الذي يطأ بغير كفارة فليس بإِيلاء. وذلك أنه إذا حلف أن لا يطأها في موضع كذا وكذا كان له أن يطأها في غير ذلك الموضع، وليس عليه كفارة، وأشباه ذلك مما لا تكون فيه الكفارة.

قوله: { فَإِن فَآؤوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }. ذكروا عن الحسن عن ابن عباس أنه قال: الفيء الجماع. وذكر مثل ذلك عن سعيد بن جبير. وقال إبراهيم: إذا كان له عذر من حيض أو غيره أشهد أنه قد فاء، فهو يجتزىء به. ذكروا عن الحسن مثل ذلك. وكان سعيد لا يرى الفيء إلا الوطء.


{ وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِيۤ أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوۤاْ إِصْلاَحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِي عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { ٱلطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا ٱفْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ }
قوله: { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ }. والقرء: الحيض في قول أهل العراق. وفي قول أهل المدينة القرء: هو الطهر.

ذكروا عن عمر بن الخطاب وابن مسعود رضي الله عنهما قالا: هو أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة. ذكروا عن الحسن عن أبي موسى الأشعري مثل ذلك. وذكروا عن علي وابن عباس مثل ذلك. وذكروا عن عمران بن حصين مثل ذلك، وهو قول الحسن وإبراهيم والعامة عندنا.

ذكروا عن زيد بن ثابت وعائشة أنهما قالا: إذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد بانت منه. وذكروا عن ابن عمر ذلك، وهو قول أهل المدينة.

وتفسير قول أهل المدينة: إن القرء هو الطهر، أَن الرجل إذا طلق امرأته، ثم حاضت، فإن ما بين طلاقه إلى حيضتها قرء. فإذا طهرت من حيضتها كان من ما بين الحيضة الأولى إلى الحيضة الثانية قرءاً. فإذا طهرت من الثانية صار ما بين الثانية والثالثة قرءاً. فبانت حين رأت الدم. فالقرء الأول، على قولهم إنه طهر، ربما كان يوماً واحداً أو أكثر من ذلك، فيما بينها وبين الحيضة، وليس بس.

وقول أهل العراق إنه إذا طلقها ثم حاضت كان الحيض هو القرءَ. فإذا طهرت لم تعد الطهر فيما بين الحيضتين قرءاً. فإذا دخلت في الحيضة الثانية فقد دخلت في القرء. فإذا طهرت منها ما لم تعد الطهر فيما بين الحيضة الثانية والثالثة قرءاً. فإذا دخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد دخلت في القرء الثالث. فإذا اغتسلت منه فقد مضت الأقراء الثلاثة وبانت منه. فالحِيَض ثلاث والقروء صحيحة. والطهران [الأخيران] من قول أهل المدينة صحيحان، والقرء الأول ينكسر. ويختلف القرء لأنه ربما طلقها قبل أن تحيض بيوم، ثم تحيض من الغد، فيكون ذلك اليوم في قولهم قرءاً، وربما كان يومين أو أكثر من ذلك إلى الحيضة الثانية. فالقرء الأول مختلف.

قال بعض المفسّرين: [جعل عدة المطلقة في هذه الآية ثلاث حيض ثم] نسخ منها ومن الثلاثة قروء أربع نسوة: التي طلقت قبل أن يدخل بها زوجها؛ قال الله تعالى في سورة الأحزاب:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ المُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً }
[الأحزاب:49]؛ فهذه ليست لها عدة، تتزوج من يومها إن شاءت. ونسخ منها العجوز التي قعدت من الحيض. والبكر التي لم تحض. قال في سورة النساء القصرى
{ وَالَّلائِي يَئِسْنَ مِنَ المَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَالَّلائِي لَمْ يَحِضْنَ }
[الطلاق:4] أيضاً ثلاثة أشهر. ونسخ منها المطلقة الحامل فقال:
{ وَأُوْلاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ }



قوله: { وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ }. قال مجاهد: لا تقول: إني حائض وليست بحائض، ولا تقول: إني لست بحائض وهي حائض. ولا تقول إني حامل وليست بحامل، ولا تقول: لست بحامل وهي حامل. قال: لتَبِينَ من زوجها قبل انقضاء العدة ويضاف الولد إلى الزوج الثاني، أو تستوجب الميراث إذا مات الرجل فتقول: لم تنقض عدتي وقد انقضت عدّتها.

قوله: { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ } أي: في العدة، وفي التطليقة والتطليقتين ما لم يطلق ثلاثاً. { إِنْ أَرَادُوا إِصْلاَحاً } أي: حسن صحبة.

قال: { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } [يعني فضيلةً في الحق]. { وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }. وقال في آية أخرى:
{ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ }
[النساء:34].

قوله: { الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ } يقول: هو أحق بها في التطليقتين. ولا يجمع بين التطليقتين ولا ثلاثاً جميعاً.

قال بعض المفسّرين: { الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ }: مرة بعد مرة، فجعل حد الطلاق ثلاثاً. فإذا طلقها الثالثة حرمت عليه. قال: وذلك أنه بلغنا أن أهل الجاهلية كانوا ليس لهم حد في الطلاق؛ كان يطلق أحدهم عشراً أو أقل من ذلك أو أكثر.

ذكر الحسن أن علياً كان يكره أن يطلق الرجل امرأته ثلاثاً جميعاً، ويلزمه ذلك، ويقول: إنه عصى ربه. ذكروا عن ابن عمر مثل ذلك، وليس فيه اختلاف.

قوله: { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ }. قال مجاهد: هذا حين ملكها وجب ذلك لها. قال: وإن طلقها تطليقتين فهو أيضاً إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ما لم تنقض العدة. وبلغنا أن رجلاً قال: يا رسول الله. قول الله الطلاق مرتان فأين الثالثة قال هو قوله: { أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ }.

قوله: { وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ } أي: أمر الله في أنفسهما. وذلك أنه يخاف من المرأة في نفسها إذا كانت مبغضة لزوجها فتعصى الله فيه؛ ويخاف من الزوج إن لم يطلقها أن يتعدّى عليها.

قال مجاهد: تقول المرأة: لا أبر قسمه، ولا أطيع أمره، فيقبله الرجل خشية أن يسيء إليها وتفتدى.

قال: { فَإِنْ خِفْتُمْ } أي: فإن علمتم، يعني الولاة { أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ } أي سنته وأمره في الطلاق. { فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } أي لأنفسهم.

ذكروا عن الحسن قال: يعني الخلع؛ إذا قالت لا أغتسل لك من جنابة.

قال بعضهم: إذا قالت لا أطيع لك أمراً، ولا أبرّ لك قسماً، ولا أغتسل لك من جنابة، فقد حلّ له أن يقبل منها.

ذكر عكرمة أن جميلة بنت [أبي بن] سلول أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن أبا قيس ـ تعني زوجها ثابت بن قيس ـ والله ما أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإِسلام.
فقال: " أتردين عليه حديقته " ؟ قالت: نعم. قال: " خذ منها ما أعطيتها، ولا تزيديه ".

ذكروا عن عمر بن الخطاب أنه قال: إذا سألكم النساء الخلع فلا تكفروهن. تأويل ذلك أنه ليس يعني أن ذلك واجب عليه، إلا أن يشاء. ومعنى قوله: لا تكفروهن يعني أن تكفر زوجها كقول النبي عليه السلام: " لأنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير " يعني الصاحب، وهو زوجها.

ذكر ابن عباس أنه قال: إن الخلع جائز عن السلطان وغيره.

ذكروا عن شريح أن امرأة رفعت إليه، وكانت اختلعت من زوجها، فأجازه؛ فقال رجل عنده،: لا يجوز الخلع إلا عند السلطان. فقال شريح: الإِسلام إذاً أضيق من حدّ السيف. وكان الحسن لا يجيز الخلع إلا عند السلطان. والعامة على غير قول الحسن.
فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } * { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوۤاْ آيَاتِ ٱللَّهِ هُزُواً وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَآ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ ٱلْكِتَابِ وَٱلْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }
قوله: { فَإِن طَلَّقَهَا } أي الثالثة { فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ }. ذكر بعضهم أن تميمه بنت عبيد بن وهب القرظية كانت تحت رفاعة القرظي فطلقها ثلاثاً. فخلف عليها عبد الرحمن بن الزبير، ثم طلقها. فأتت النبي عليه السلام فسألته: هل ترجع إلى زوجها. فقال: هل غشيك؟ فقالت: ما كان ما عنده بأغنى عنه من هدبة ثوبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا، حتى تذوقي عسيلة غيره " فقالت: يا رسول الله، قد غشيني، فقال: " اللهم إن كانت كاذبة فاحرمها إياه " فأتت أبا بكر بعده فلم يرخص لها. ثم أتت عمر فلم يرخص لها.

قوله: { فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا } [أي إن أيقنا] { أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ }. قال ابن عباس والحسن: يعني المختلعة. رجع إلى قصتهما. قال: { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ }. قال: هذه الآية مثل قوله في الآية الأولى: { وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ }.

وتفسير قول الحسن: إن أخذه الفداء تطليقة بائنة؛ يعني بقوله: { فَإِن طَلَّقَهَا } أي فإن خالعها؛ وهو قول العامة في الخلع.

وكان ابن عباس لا يرى الخلع طلاقاً، يراها تحرم عليه بدون طلاق؛ ويقول: قال الله: { فَإِن طَلَّقَهَا } يقول: طلقها طلاقاً، ويذكر أن النبي عليه السلام قال لثابت بن قيس: " شاطرها الصداق وطلقها " والعامة على قول الحسن: إن الفداء طلاق ويذكر عن النبي وعن عثمان بن عفان.

وبعضهم يفسّرها: { فَإِن طَلَّقَهَا } يعني الزوج الآخر { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا } على المرأة والزوج الأول الذي طلقها ثلاثاً أن يتراجعا إن أحبا. وفي تفسيرهم: فإن طلقها، أو مات عنها، فلا جناح عليهما أن يتراجعا.

قال: { وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }.

قوله: { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } أي ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة إن كانت ممن تحيض في قول أهل العراق، وفي قول أهل المدينة إذا رأت الدم. وقد فسّرناه قبل هذا الموضع. وإن كانت ممن لا تحيض فما لم تنقض الثلاثة أشهر، وإن كانت حاملاً فما لم تضع حملها.

وأما قوله: { أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } فإن العدة إِذا انقضت قبل أن يراجعها زوجها فهو التسريح.

قوله: { وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } كان الرجل يطلق امرأته ثم يدعها حتى إذا كان عند انقضاء عدتها راجعها ولا حاجة له فيها، ثم يطلقها؛ فإذا كان عند انقضاء عدتها راجعها. ثم يطلقها، يكون ذلك لتسعة أشهر ليطوّل عليها بذلك، فنهى الله عن ذلك.

ذكر أن رجلاً قال لامرأته: والله لأطلقنك، ثم لأحبسنك لتسع حيض، لا تقديرين أن تتزوجي. قالت: وكيف ذلك؟ قال: أطلقك تطليقة ثم أدعك، حتى إذا كان عند انقضاء عدتك راجعتك. ثم أطلقك، فإذا كان عند انقضاء عدتك راجعتك.

ثم أطلقك أخرى ثم تعتدين ثلاث حيض؛ فأنزل الله هذه الآية: { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً }... إلى آخر الآية.

قوله: { وَلاَ تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللهِ هُزُواً } ذكر الحسن عن أبي الدرداء أنه قال: كان الرجل يطلق، فإذا سئل قال: كنت لاعباً، ويعتق، فإذا سئل قال: كنت لاعباً، ويتزوج، فإذا سئل قال: كنت لاعباً. فأنزل الله: { وَلاَ تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللهِ هُزُواً } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من طلق لاعباً، أو تزوج لاعباً، أو أعتق لاعباً فهو جائز عليه كله ".

ذكر بعضهم أن رجلاً طلق امرأته على عهد النبي عليه السلام فأنزل الله: { وَلاَ تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللهِ هُزُواً }.

ذكر الحسن عن أبي الدرداء قال: ثلاث لا يلعب فيهن أحد، واللاعب فيهن كالجادّ: العتاق والطلاق والنكاح.

قوله: { وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الكِتَابِ وَالحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ } الكتاب الفرقان، والحكمة السنة. { وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }.
{ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُمْ بِٱلْمَعْرُوفِ ذٰلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ذٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } * { وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }
قوله: { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } أي فانقضت العدة { فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ } أي: فلا تحبسوهن { أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ }. ذكروا عن الحسن قال: قدم رجل المدينة فرغب فيه معقل بن يسار فزوّجه أخته، فكان بينهما شيء، فطلقها واحدة. فلما انقضت العدة خطبها، فأرادت أن تتزوّجه، فغضب معقل فقال: زوجته ثم طلَّقها، والله لا ترجع إليه آخر ما عليه، فأنزل الله هذه الآية.

قوله: { ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ } أي لقلب الرجل وقلب المرأة من الريبة { وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }. علم الله حاجته إليها وحاجتها إليه.

قوله: { وَالْوَالِدَاتُ } [يعني المطلقات في تفسير مجاهد] { يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ }. ذكر بعض المفسرين قال: أنزل الله في أول هذه الآية: { حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } ثم أنزل اليسر والتخفيف فقال: { لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ }.

ذكروا عن ابن عمر وابن عباس أنهما كانا لا يريان الرضاع بعد الحولين شيئاً.

قوله: { وَعَلَى المَوْلُودِ لَهُ } يعني الأب { رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } أي كلٌّ على قدر ميسرته. { لاَ تُكَلِّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا }. كقوله:
{ لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ مَا ءَاتاهَا }
[الطلاق:7] أي ما أعطاها. وكقوله:
{ لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ }
[الطلاق:7].

قوله: { لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ } ذكر بعض المفسّرين قال: نهى الله الوالد عن الضرار: أن ينزعه من أمه إذا رضيت أن ترضعه بما كان مسترضعاً به غيرَها ويدفعه إلى غيرها. ونهيت الوالدة أن تضارّ بولدها فتدفعه إلى زوجها إضراراً، إذا أعطاها ما كان مسترضعاً به غيرَها.

قوله: { وَعَلَى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } [تفسير قتادة. قال: على وارث المولود إن كان المولود لا مال له { مِثْلُ ذَلِكَ } أي: مثل الذي كان على والده لو كان حيّاً من أجر الرضاع]. وقال الحسن: على الرجال دون النساء. والوارث: وارث الصبي إذا مات والد الصبي وبقي وارثه، فعليه يكون وليس على الأم منه شيء، ولا على الأخوة من الأم، وذلك في النفقة والضرار. [وقال ابن عباس: { وَعَلَى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } هو في الضرار].

قوله: { فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً } [يعني فِطاماً] { عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ } قبل انقضاء الحولين، بعد أن يستطيع الطعام ولا تدخل عليه ضرورة فيه.

قال بعض المفسّرين: { عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ } إذا كان ذلك عن رضى منهما ومشورة. { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا }.

قال: { وَإِنْ أَرَدتُمْ أَن تَسْتَرْضِعُوا أَوْلاَدَكُمْ } أي لأولادكم { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا ءَاتَيْتُم بِالمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } يقول: إن تراضيا إن يسترضعاه { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا ءَاتَيْتُم بِالمَعْرُوفِ } [تفسير مجاهد: حساب ما رضع الصبي إذا تراضيا أن يسترضعا له، إذا خافا الضيعة عليه].