عرض المشاركة وحيدة
  #9  
قديم 28/08/2006, 12:39 PM
alhabsi2006 alhabsi2006 غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 05/02/2006
المشاركات: 59
{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } * { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَٱلآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَٱبْتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلأَسْوَدِ مِنَ ٱلْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي ٱلْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }
قوله: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ، إِذَا دَعَانِ، فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }.

ذكر بعض المفسرين قال: ذكر لنا أنه لما أنزل الله
{ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ }
[غافر:60] قال رجل: كيف ندعو يا رسول الله. قال الله: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ }... إلى آخر الآية.

ذكر بعضهم أن موسى صلى الله عليه وسلم وعلى جميع الأنبياء قال: يا رب، أقريب أنت فأناجيك، أم بعيد فأناديك؟ فأوحى الله إليه: أنا عند حسن ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني.

قوله: { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفْثُ إِلَى نِسَائِكُمْ }... إلى قوله: { فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ }. قد فسّرناه قبل هذا الموضع.

قوله: { ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى الَّيْلِ } ذكروا عن عبد الله بن أبي أوفى أنه قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان في سفر، فغابت الشمس فقال: " انزل فاجدح لنا، فقلت: إن عليك النهار. فقال: انزل فاجدح لنا. قلت: لو أمسيت قال: فانزل فاجدح لنا. فنزلت فجدحت له. فشرب. ثم قال: إذا جاء الليل هاهنا، وأومأ بيده إلى المشرق، فقد أفطر الصائم ".

وذكر بعضهم قال: ثلاثة من فعل النبوة: تعجيل الإِفطار، والتبليغ في السحور، والأخذ باليمين على الشمال في الصلاة. وبلغنا عن أبي ذر مثل ذلك، غير أنه قال: وتأخير السحور.

قوله: { وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي المَسَاجِدِ }. قال بعضهم: كان أحدهم يعتكف، فإذا [خرج من مُصلاَّهُ] فلقي امرأته غشيها، فنهى الله عن ذلك. وذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف للعشر الأواخر من رمضان، ويشمر فيهن للصلاة. وإذا غشى المعتكف نقض اعتكافه.

ذكر الحسن أن المعتكف إذا غشي أعتق. فإن لم يجد أهدى بدنة؛ فإن لم يجد أطعم عشرين صاعاً.

قوله: { تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا } أي لا تقربوا ما نهاكم الله عنه. { كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ ءَايَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } أي لكي يتقوا.


{ وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى ٱلْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ بِٱلإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } * { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجِّ وَلَيْسَ ٱلْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰ وَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }
قوله: { وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الحُكَّامِ } قال الحسن: هو الرجل يأكل مال الرجل، يظلمه ويجحده، ثم يأتي به إلى الحكام. فالحكام إنما يحكمون بالظاهر، وإذا حكم له استحلَّه بحكمه.

وقال الكلبي: هي اليمين الكاذبة يقطع بها الرجل مال أخيه. ذكروا عن بعض السلف أنه قال: من مشى مع خصمه وهو له ظالم، فهو آثم حتى يرجع إلى الحق.

ذكر: بعضهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنه قد يُدلَى إلي بالخصومة؛ فلعل أحد الرجلين أن يكون ألحن بحجته من صاحبه فأقضي له. فمن قضيت له من مال أخيه شيئاً فإنما أقطع له قطعة من النار ".

ذكر الحسن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا يحل مال امرىء مسلم إلا بطيبة نفس فلا تظلموا ".

قوله: { لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } أنه ليس لكم بحق.

قوله: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ } أي: وللحج. كقوله:
{ وَإِنْ أَرَدْتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوا أَوْلاَدَكُمْ }
أي: لأولادكم [البقرة:233].

ذكر بعض المفسرين قال: ذكر لنا أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم خلقت هذه الأهلة؟ فأنزل الله هذه الآية: { قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ }؛ أي لصومهم ولإِفطارهم ولحجهم، ولعدة نسائهم ولمَحِلّ دَيْنهم.

قوله: { وَلَيْسَ البِرُّ بِأَن تَأْتُوا البُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ البِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا البُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللهَ } ولا تعصوه { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }.

ذكر البراء بن عازب قال: كان المشركون إذا أحرموا لم يدخل أحدهم بيتاً من بابه إلا أن يتسوّر من الحائط، فأنزل الله هذه الآية.

وقال الحسن: كانوا في الجاهلية إذا أراد أحدهم سفراً فلم يتمَّ له سفره، لم يأت بيته من الباب الذي خرج منه، ولكن يغلق الباب، فيأتي الباب من قِبَلِ ظهره. وكانوا يتقرّبون بذلك، لأنهم زعموا أن ذلك في دينهم، وهو مما أدخل عليهم الشيطان. فأنزل الله: { وَلَكِنَّ البِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا البُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }.

وقال الكلبي: كانوا في الإِحرام لا يدخلون البيوت من أبوابها، إلا أن ينقب أحدهم نقباً في ظهر بيته فيدخل منه أو يخرج، أو يتخذ سلماً فيصعد فيه وينحدر، إلا أن يكون من الحُمْس. والحُمْس قريش وكنانة وخُزاعة وبنو عامر بن صعصعة الذين لا يلتقطون الأقط ولا يسلأون السمن ولا يفتلون الوبر، ولا الشعر في أيام حجهم، حرم عليهم عندهم في هذا ما أحل للناس، وأحل لهم ما حرم على الناس في أشياء كانوا يفعلونها، فنزلت هذه الآية.

وقال بعضهم: كان هذا الحي من الأنصار إذا أهلَّ أحدهم لم يدخل بيتاً ولا داراً من بابه، إلا أن يتسوَّر حائطاً تسوّراً، وأسلموا على ذلك حتى نهاهم الله.
{ وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } * { وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم وَأَخْرِجُوهُمْ مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَٱلْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَٱقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَافِرِينَ } * { فَإِنِ ٱنتَهَوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ للَّهِ فَإِنِ ٱنْتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } * { ٱلشَّهْرُ ٱلْحَرَامُ بِٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ }
قوله: { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ } وذلك قبل أن يؤمروا بقتال المشركين كافة، فكانوا لا يقاتلون إلا من قاتلهم. قوله: { وَلاَ تَعْتَدُوا } أي في حربكم فتقتلوا من لا يقاتلونكم، وتقتلوا من قد آمنتموه وتَحرَّم بحرمتكم { إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } ، ثم أمر بقتالهم في سورة براءة فقال:
{ فَاقَْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ }
[التوبة:5].

قوله: { وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ } يعني من مكة { والفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ } والفتنة هاهنا الشرك. وقال مجاهد: ارتداد المؤمن عن الدين أشد عليه من أن يقتل مُحِقّاً.

قال: { وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ المَسْجِدِ الحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ }. قال بعض المفسِّرين: كانوا لا يبدأون في الحرم بقتال إلا أن يقاتلوهم فيه. ثم أنزل الله:
{ فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ }
[التوبة:5] فأمروا أن يقاتلوهم في الحلّ والحرم. وعند البيت حتى يشهدوا أن لا إله إلاّ الله، وأن محمداً رسول الله.

وقوله: { فَإِن انتَهَوْا } أي من قتالكم ودخلوا في دينكم { فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } أي شرك { وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِن انتَهَوْا } عن شركهم { فَلاَ عُدْوَانَ } أي: فلا سبيل { إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ } أي الظالم الذي يأبى أن يقول لا إله إلا الله.

قوله: { الشَّهْرُ الحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالحُرُمَاتُ قِصَاصٌ }. ذكروا عن مجاهد أنه قال: كان المشركون صدُّوا النبي عليه السلام عام الحديبية، وفخروا عليه بذلك؛ فصالحهم على أن يرجع من العام المقبل في ذلك الشهر، فيدخل مكة، فيقيم فيها ثلاثة أيام. وكان ذلك في ذي القعدة. فأدخله الله من العام المقبل مكة واقتصّ له منهم. وهو قوله: { الشَّهْرُ الحَرَامُ بِالشَّهْرِ الحَرَامِ }.

وقال الحسن: إن استحللتم منا القتال في الشهر الحرام استحللناه منكم، فإن الحرمات قصاص. وكان ذلك قبل أن يؤمر بقتالهم كافة.

قال: { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } فاستحلَّ منكم القتال { فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } أي: فاستحلوا منه. وتأويل الاعتداء هنا هو المجاوزة. يقول: { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ }. أي جاوز إليكم ما كان يحرمه منكم { فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ }. أي فجاوزوا ما كنتم تحرّمون منه.

وقال الكلبي: قوله: { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة من العام المقبل لما كان صالحهم عليه من دخولها ويقيم فيها ثلاثة أيام، فقدم مكة وخرجت قريش كهيئة البزاء، فخاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يفي لهم المشركون، فقال الله: { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } يقول: إن قاتلوكم دون البيت فقاتلوهم.

وقال السدي: إن اعتدوا عليكم فقاتلوكم في ذلك العهد فقاتلوهم.

وقال بعضهم: أقبل نبي الله وأصحابه فاعتمروا في ذي القعدة ومعهم الهدي حتى إذا كانوا بالحديبية صدّهم المشركون. فصالحهم نبي الله أن يرجع عامه ذلك حتى يرجع من العام المقبل، فيكون بمكة ثلاثة أيام وثلاث ليال، ولا يدخلها إلا بسلاح الراكب، ولا يخرج بأحد من مكة. فنحروا الهدي بالحديبية، وحلقوا وقصّروا. فأقصّه الله منهم، فأدخله مكة في ذلك الشهر الذي كان ردوه فيه في ذي القعدة، فقال: { الشَّهْرُ الحَرَامُ بِالشَّهْرِ الحَرَامِ }... إلى آخر الآية. قال: { وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ }.


{ وَأَنْفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ للَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلْعُمْرَةِ إِلَى ٱلْحَجِّ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }
قوله: { وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ }. ذكر البراء ابن عازب قال: كان الرجل يذنب فيلقي بيده فيقول: لا يغفر الله لي، فلا يجاهد، ولا يعمل، ولا ينفق في سبيل الله.

ذكروا عن أبي صالح عن ابن عباس أنه قال: تمتَعْ في سبيل الله ولو بسهم. وذكر بعضهم أنه قال: أعطاهم الله رزقاً ومالاً فكانوا يسافرون ويغزون ولا ينفقون أموالهم، فأمرهم الله أن ينفقوا في سبيل الله.

قال مجاهد: لا يمنعكم نفقةً في حق خيفةُ القتل.

وكان الحسن يفسر: { وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } يقول: إن ترككم الإِنفاق في سبيل الله إلقاء منكم بأيديكم إلى التهلكة. والتهلكة ما أهلككم عند الله. وهذا حقيقة التأويل. وذكروا عن حذيفة أنه قال: هي في [ترك] النفقة. وذكروا عن الحسن أنه قال: لم يقبض رسول الله حتى صار الجهاد تطوّعاً.

قوله: { وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ }. أي: وأحسنوا في نفقاتكم وما افترض الله عليكم. وقال بعضهم: أمرهم أن ينفقوا في سبيل الله وأن يحسنوا فيما رزقهم الله.

قوله: { وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ لِلَّهِ }. قال بعض المفسرين: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما حج وعمرة فمن قضاهما فقد قضى الفريضة أو قضى ما عليه. فما أصاب بعد ذلك فهو تطوع ".

ذكروا عن مسروق أنه قال: أمرتم في القرآن بإقامة أربع: الصلاة والزكاة والحج والعمرة. وذكروا عنه أيضاً أنه قال: العمرة من الحج كالزكاة من الصلاة.

ذكر داود بن حصين عن ابن عباس أنه قال: العمرة واجبة كوجوب الحج، وهي الحج الأصغر. والعامة مجمعون على أن الحج والعمرة فريضتان ما خلا عبد الله بن مسعود، فإنه كان يقول: الحج فريضة والعمرة تطوع فيقرأ على هذا التفسير بنصب الحج ويرفع العمرة؛ يقول: والعمرةُ لله. وتقرأ العامة على حديث النبي صلى الله عليه وسلم كليهما بالنصب، وهو العدل المأخوذ به.

قوله: وأتموا الحج أي: إلى عرفات، والعمرة إلى البيت. ذكروا عن ابن عباس أنه قال: الحج عرفات، والعمرة الطواف.

قوله: { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ } [الإِحصار أن يعرض للرجل ما يحول بينه وبين الحج من مرض أو عدو]. إذا أهل بالحج ثم أحصر: حبسه مرض، أو ضلّت راحلته وكل ما حبسه، أقام محرماً وبعث بهدي؛ فإذا نحر يوم النحر حلّ من كل شيء إلا النساء والطيب. فإن احتاج إلى شيء قبل أن ينحر الهدي الذي بعث به مما لا يفعله المحرم، من دواء فيه طيب، أو حلق رأس، أو لبس ثوب لا يلبسه المحرم، أو شيء لا يَصلُح للمحرم، فعليه فدية من صيام أو صدقة أو نسك.
فإذا برَأَ، وهو قوله: { فَإِذَا أَمِنتُمْ } فمضى إلى البيت وكان حاجاً فجعلها عمرة، ثم حج من قابل، فعليه هدي آخر، لأنه قد تمتع بالعمرة إلى الحج. وإن رجع إلى بلده، أو أقام مكانه، أقام على إحرامه، كافاً عن النساء والطيب، ثم حج، فليس عليه هدي؛ ووَقْتُ نحر هديه يوم النحر إذا كان حاجاً.

وإذا كان معتمراً وقَّتَ للذي يبعث الهدي معه: يشتري يوم كذا وكذا، ويَقدِم يوم كذا وكذا، وينحر يوم كذا وكذا؛ فإذا جاوز الحد حلّ له كل شيء إلا النساء والطيب، حتى يطوف بالبيت متى طاف، فيقضي عمرته. ويُستَحَبّ له أن ينتظر بعد اليوم الذي وقَّت أن يُنحَر الهدي فيه بيوم أو يومين مخافة ما يحدث.

ذكروا في قول الله: { فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ } قالوا: شاة. وذكر مجاهد عن ابن عباس أنه قال: مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ من الأزواج الثمانية، من الضأن اثنين، من المعز اثنين، ومن الإِبل اثنين، ومن البقر اثنين. وذكروا عن ابن عمر أنه قال: ما استيسر من الهدي من الإِبل والبقر.

قوله: { وَلاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَديُ مَحِلَّهُ } ذكروا عن عطاء أنه قال: كل هدى دخل الحَرَم ثم عطب فقد بلغ مَحِلَّه إلا هدي المتعة [والمحصر] فإنه لا بد له أن يهريق دماً يوم النحر.

قوله: { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ }.

ذكر مجاهد قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ عام الحديبية وهو محرم، وهو يوقِد تحت قِدر له. فنكس رأسه، فإذا الهوام تجول في رأسه، وتتنثر على وجهه ولحيته، فقال أَتُؤْذِيكَ هوام رأسك يا كعب؟ قال: نعم. فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " احلقه وصم ثلاثة أيام أو أطعم فَرَقاً بين ستة، أو اهد شاة " قال: والفَرَق ثلاثة أصواع، كل صاع بين اثنين.

قوله: { فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ } يقول: من أهلَّ بعمرة في أشهر الحج، في شوال، أو في ذي القعدة أو في ذي الحجة ثم حج من عامه فهو متمتع عليه ما استيسر من الهدي. فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.

قال عمران بن حصين صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل فيها القرآن.

وذكر بعضهم قال: قيل لابن عباس: إنهم يروون عنك أنك تقول: من طاف البيت فقد حلّ. فقال: تلك سنة نبيّكم وإن رغمتم.

ذكر عطاء عن جابر بن عبد الله أنه قال: قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صباح أربعة مضين من ذي الحجة مهلّين بالحج.

فلما طفنا بالبيت، وصلينا الركعتين، وسعينا بين الصفا والمروة، أمرنا فقال: " قصّروا فقصّرنا " ثم قال: " أحلوا " فقلنا: يا رسول الله، نحلّ مماذا. قال: " حل ما يحل الحلال؛ من النساء والطيب " ثم قال: فغشيت النساء، وسطعت المجامر. وبلغنا أن بعضهم يقول: ينطلق أحدنا إلى مِنًى وذكره يقطر مَنِيّاً. فخطبهم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: " لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي، ولو لم أسق الهدي لحللت: ألا فخذوا عني مناسككم ".

قال: فلما كان يوم التروية أهللنا بالحج من البطحاء، فكان الهدي على من وجد، والصيام على من لم يجد. وأشرك بينهم في الهدي البعير عن سبعة، والبقرة عن سبعة. قال: وكان عطاء يقول: كان طوافهم طوافاً واحداً وسعيهم سعياً واحداً لحجهم ولعمرتهم.

ذكروا عن أنس بن مالك خادم النبي عليه السلام أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لبيك بالعمرة والحج جمعياً ".

ذكر عمرو عن مجاهد قال: أهلّ الضبي بن معبد بالعمرة والحج فمرّ على سليمان بن ربيعة وزيد بن صوحان وهو يلبي بهما فقالا: لهذا أضل أو أقل عقلاً من جَمَل أهله. فلما قدم على عمر ذكر ذلك له فقال: هُدِيت لسنة نبيك.

قوله: { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ } العامة على أن صيام ثلاثة أيام في الحج قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة. ذكروا أن علياً قال: قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة. ذكروا عن ابن عمر مثل ذلك. ذكروا عن الحسن وعطاء أنهما قالا: في العشرة.

ذكروا عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: من يوم أن يُهِلَّ إلى يوم عرفة، فإن فاته ذلك صام أيَّام منى.

ذكروا أن رجلاً أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يومَ النحر فقال: يا أمير المؤمنين، إني تمتّعت ولم أجد الهَدى ولم أَصُمْ. فقال: سَلْ في قومك، ثم قال: يا مُعَيْقِيبُ. أعطه شاة. ذكروا عن سعيد بن جبير قال: يبيع ثيابه ويهريق دماً.

قوله: { وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ } ذكروا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: إذا رجع إلى أهله. ذكروا عن مجاهد قال: إن شاء صامها في الطريق.

قوله: { ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } أي إذا عاقب.

ذكروا عن عطاء عن ابن عباس أنه قال: يا أهل مكة، ليست لكم متعة، فإن كنتم فاعلين لا محالة فاجعلوا بينكم وبين مكة وادياً.

ذكروا عن عطاء أنه قال: قدر ما تقصر إليه الصلاة فهو من حاضري المسجد الحرام. وتفسير ذلك أنه يقول: إذا كان من وراء ذلك كانت له المتعة. وقال عطاء: من كان منها على رأس ليلة فهو من حاضري المسجد الحرام.

{ ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي ٱلْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُونِ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } * { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلْمَشْعَرِ ٱلْحَرَامِ وَٱذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنْتُمْ مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلضَّآلِّينَ }
قوله: { الحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ } ذكر جماعة من العلماء أنها شوال وذو القعدة وعشرة أيام من ذي الحجة { فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ } أي فمن أَوجب فيهن الحجَّ.

ذكر بعضهم أن عكرمة لقى أبا الحكم البجلي فقال: أنت رجل سوء، يقول الله: { الحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ } ، وَأَنْتَ تُهِل بالحج في غير أشهر الحج موجهاً إلى خراسان أو إلى كذا وكذا.

ذكروا عن جابر بن عبد الله أنه قال: لا يهل بالحج في غير أشهر الحج.

ذكر أنه ذكروا للحسن رجلاً يحرم السنة إلى السنة، فقال: لو أدركه عمر بن الخطاب لأوجع له رأساً. وقال: في أي شهر أحرم فقد وجب عليه الإِحرام؛ وأحسن ذلك أن يكون في أشهر الحج.

قوله: { فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ } ذكر عطاء عن ابن عباس أنه قال: الرفت: الجماع، والفسوق: المعاصي، والجدَال أن يُماري بعضهم بعضاً حتى يغضبوا.

قوله: { وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمُهُ اللهُ } ، يعني التطوّع والفريضة. وهو كقوله:
{ وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ }
[آل عمران:115].

قوله: { وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى }. قال بعض المفسرين: كان أناس من أهل اليمن يحجون ولا يتزوّدون، فأمرهم الله بالزاد والنفقة في سبيله، وأخبرهم أن خير الزاد التقوى. وقال الحسن: يقول: إذا أراد أحدكم سفراً تزوّد لسفره خيراً.

قوله: { وَاتَّقُونِ يَا أُْولِي الأَلْبَابِ } يعني يا أولي العقول، وهم المؤمنون.

{ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ } ذكر عن عبيد الله بن أبي يزيد أنه قال: سمعت عبد الله بن الزبير، وبلغه أن أناساً يأنفون من التجارة في الحج فقال: يقول الله: { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ } يعني به التجارة في مواسم الحج.

ذكروا عن الحسن أنه كان لا يرى بأساً بالتجارة في الحج، في الفريضة وغيرها.

قوله: { فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ }. ذكر بعض المفسّرين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض من عرفات بعد غروب الشمس.

ذكر بعضهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تدفعوا حتى يدفع الإِمام فإنها السنة ".

ذكر عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أفاض من عرفات قال: " يا أيها الناس عليكم بالسكينة، لا يشغلنّكم رجل عن الله أكبر ".

ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كل عرفة موقف، وارتفعوا عن عرَنَة، وكل جمع موقف، وارتفوا عن محسِّر ".

ذكروا أن عمر بن الخطاب أفاض من عرفات وبعيره يجتر، أي: إنه سار على هيئته.

ذكروا عن ابن عباس أنه قال: عرفة كلها موقف، وارتفعوا عن عُرَنة.

ذكروا عن عطاء أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من وقف بعرفات قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج ".

ذكروا عن ابن عباس أنه قال: الحج عرفات، والعمرة الطواف.

قوله: { فَاذْكُرُوا اللهَ عِندَ المَشْعَرِ الحَرَامِ } قال بعض المفسّرين: هي ليلة المزدلفة، وهي جمع. وإنما سمي جمعاً لأنه يجمع فيه بين المغرب والعشاء.

ذكر أبو الطفيل أن ابن عباس قال: إن جبريل ذهب بإبراهيم إلى جمع فقال: هذا المشعر الحرام.

ذكروا عن عبد الله بن الزبير أنه قال: ألا لا صلاة إلا بجمع، ألا لا صلاة إلا بجمع، ألا لا صلاة إلا بجمع، يعني المغرب والعشاء. وذكروا عن الحسن وابن سيرين أنهما قالا: لا يصلي المغرب والعشاء ولو انتصف الليل إلا بجمع.

ذكروا عن جابر بن عبد الله أنه قال: إن رسول الله لما صلى الصبح وقف بجمع، ثم أفاض.

ذكروا أن إبراهيم النبي عليه السلام بات بجمع، حتى إذا كان من الغد صلّى صلاة المعجلة، ثم وقف إلى صلاة المصبحة ثم أفاض. ذكروا عن جابر بن عبد الله أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما طلع الفجر صلى الصبح، ثم وقف.

وذكروا عن عبد الله بن الزبير أنه قال: رأيت أبا بكر الصديق واقفاً على قزح وهو يقول: يا أيها الناس اصبحوا.

ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض من جمع قبل طلوع الشمس.

ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الصبح ثم وقف عند المشعر الحرام فقال: " قد وقفت هاهنا والمزدلفة كلها موقف " ذكروا عن ابن عباس أنه كان يقول: ما بين الجبلين كله موقف.

قوله: { وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ } أي: في مناسككم وحجكم ودينكم كله.

{ ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَّنَاسِكَكُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ } * { وِمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ }
قوله: { ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } وهي الإِفاضة من عرفات. رجع إلى الإِفاضة من عرفات وهي قبل جمع.

قال بعض المفسرين: كانت قريش وكل ابن أخت لهم وحليف لا يقفون بعرفة ويقولون: نحن أهل الله، لا نخرج من حرمه: وكانوا يفيضون من المشعر. وكان الناس في الجاهلية يفيضون من عرفة قبل غروب الشمس، ومن جمع بعد طلوع الشمس، فخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدفعتين جميعاً؛ فأفاض من عرفة بعد غروب الشمس، ومن جمع قبل طلوع الشمس، وكانت تلك سنة إبراهيم وإسماعيل.

قوله: { فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ ءَابَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً }.

ذكر بعض المفسّرين قال: كان أهل الجاهلية إذا قضوا مناسكهم ذكروا آباءهم وفعل آبائهم؛ به يخطب خطيبهم إذا خطب، وبه يحدّث محدثهم إذا حدّث، فأمرهم الله إذا قضوا مناسكهم أن يذكروه كذكرهم آباءهم أو أشد ذكراً [يعني بل أشد ذكراً].

قوله: { فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ } وهم المشركون، ليس لهم هِمَّة إلا الدنيا. لا يسألون الله شيئاً إلا لها، ولا يدعونه أن يصرف عنهم سوءاً إلا لها، وذلك لأنهم لا يُقِرّون بالآخرة، ولا يؤمنون بها. وقد فسّرنا الخلاق قبل هذه الموضع.

{ وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } فهؤلاء المؤمنون. والحسنة في الدنيا، وفي تفسير الحسن، طاعة الله، وفي الآخرة الأجر، وهو الجنة. وبعضهم يقول: الحسنة في الدنيا كل ما كان من رخاء الدنيا، ومن ذلك الزوجة الصالحة. وهو الذي في أيدي العامة من التفسير.

{ أُولَـٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } * { وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ ٱتَّقَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوآ أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }
قوله: { أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُوا } أي ثواب ما عملوا، وهي الجنة. { واللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ }.

قوله: { وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ }. قال ابن عباس: هي أيام التشريق. قال الحسن: يُذكر الله فيها، يُرمى فيها الجمار، وما مضت به السنة من التكبير في دبر الصلوات.

ذكروا عن علي أنه كان يكبّر دبر الصلاة من يوم عرفة من صلاة الصبح إلى أيام التشريق، ويكبّر في العصر ثم يكفّ.

ذكروا عن ابن مسعود أنه كان تكبيره: الله أكبر الله أكبر. لا إله إلا الله، الله أكبر، ولله الحمد كثيراً. وذكروا عن علي مثل ذلك.

وذكروا عن الحسن أنه كان يكبر من صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة الظهر من يوم النفر الأول، وربما قال إلى العصر. قال: وسمعت سعيداً يذكر أن الذي أخذ به الناس عن الحسن إلى صلاة الظهر. وكان تكبيره فيما حدثنا الثقة الله أكبر الله أكبر. يسكت بين كل تكبيرتين.

قوله: { فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ } إلى اليوم الثالث { فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى }.

ذكر ابن عباس أن عمر بن الخطاب كان يقول: من أدركه الليل من اليوم الثاني ولم ينفر فلا ينفر حتى يرمي الجمار اليومَ الثالث. وذكروا عن الحسن أنه كان يقول: من أدركته صلاة العصر ولم ينفر فلا ينفر إلى اليوم الثالث.

ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرمي يوم النحر الجمرة [بعد طلوع الشمس] ويرمي الجمار أيام التشريق بعد زوال الشمس. وكان يرمي بمثل حصى الخذف.

ذكروا عن ابن عمر أنه كان يكبر مع كل حصاة.

قوله: { فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ }. قال: يرجع مغفوراً له.

ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ".

قوله: { وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } يعني البعث.

{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ }
قوله: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا } وهو المنافق الذي يقر بالإِيمان ولا يعمل بالفرائض. { وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ } أي: من ترك الوفاء بما أقر لله به. { وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ }. أي كذاب. إذ لم يوف لله بما أقر به إذ لم يعمل بفرائضه. وهو كقوله:
{ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً }
[مريم:97] أي: ذوي خصومة ولَدَدٍ. وقال مجاهد: ألدُّ الخصام: ظالم.

وقال الحسن: قول المنافقين في هذا كقوله:
{ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى }
[التوبة:107] و
{ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ }
[النساء: 62-63] من ترك الوفاء بالعمل الذي أقروا به.

وقال بعضهم: { وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ } يقول: يشهد العباد على ما في قلبه. قال: فلولا أن الله بعث عليه دليلاً من عمله ما عرفه الناس، ولكن الله عرّفه للمؤمنين بعمله، عمل السوء. وقال في تأويل ألد الخصام أي: إنه شديد الخصومة في معصية الله جَدِلٌ بالباطل.