أبو مجاهد
20/02/2003, 04:26 PM
سؤال:
كيف يكون اختلاف علماء المسلمين رحمة للأمة الإسلامية ؟
جواب لسماحة الشيخ العلامة أحمد بن حمد الخليلي حفظه الله:
نعم ، اختلاف علماء المسلمين هو رحمة بالأمة الإسلامية فيما إذا كان هذا الاختلاف في الفروع ، أي لم يصادم نصاً قطعي الدلالة وقطعي المتن ، أما إن صادم نصاً قطعي الدلالة وقطعي المتن ففي هذه الحالة يكون هذا الاختلاف سبباً للنقمة لأنه لا يجوز لأحد أي كان أن يخالف أمر الله ، أو أن يخالف أمر رسوله صلى الله عليه وسلّم ، فالله تبارك وتعالى يقول (( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً )) (الأحزاب:36) ، وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده بأن يطيعوه ، وأن يطيعوا رسوله صلى الله عليه وسلّم ، ثم أن يطيعوا أولياء أمورهم ولكن مع ذلك نبه أنه عند الاختلاف والتنازع يجب أن يرد الأمر كله إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلّم فقد قال الله سبحانه وتعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) (النساء:59) ، فأمر الله تعالى إنما هو أمر رب السموات والأرض خالق الكون مصرف الوجود الذي أسبغ على العبد نعمه ظاهرة وباطنة ومنه مبدأه وإليه منتهاه فهو جدير أن يطاع ولا يعصى ، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلّم إنما هو أمر المبلغ عن الله الذي هو معصوم من الخطأ والزلل الذي وصفه الله تبارك وتعالى بقوله ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) (النجم:3-4) ، وقد جعل الله طاعته صلى الله عليه وسلّم من طاعته عز وجل فقد قال: (( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً )) (النساء:80) ، فإذاً لا يجوز أن يأتي أحد أياً كان ليرد حكماً جاء عن الله تبارك وتعالى أو جاء عن رسوله صلى الله عليه وسلّم مع ثبوت ذلك الحكم وصحته .
وهذا على أي حال كما قلنا عندما يكون النص قطعي الدلالة وقطعي المتن ، أما عندما يكون غير قطعي الدلالة كأن يكون عاماً فإنه قد يختلف العلماء في تخصيصه بالمخصصات المتنوعة ، هناك مخصصات كثيرة تخصص العمومات حتى قيل ما من عموم إلا وقد خصص ما عدا الأشياء التي لا يجوز أن تخصص أي التي يقتضي العقل استحالة تخصيصها ، فهذه العمومات تكون عموماتها قطعية الدلالة ولا تكون ظنية الدلالة فحسب لأن العقل يقضي باستحالة تخصيصها كقول الله تبارك وتعالى ( وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً ) (الجـن:3) فلا يجوز أبداً أن يخصص هذا العموم ، وكقوله سبحانه: ( لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ) (الاخلاص:3) ، فلا يجوز أن يقال بأن هذا العموم مخصوص وأن الله تعالى ولد أحداً أو ولده أحد تعالى الله عن ذلك ، وكذلك قوله: (( وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ )) (الاخلاص:4) ، وكذلك قوله: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) (الشورى: من الآية11) ، إلى غير ذلك من الآيات التي يقتضي العقل استحالة تخصيصها .
أما العمومات التي تتعلق بأفعال العباد فإن هذه هي التي خصصت حتى قيل ما من عموم إلا وقد خصص ذلك إنما يرجع إلى العمومات التي تتعلق بأفعاال العباد ، فنحن نجد في القرآن الكريم التخصيص لكثير مما جاء من عموماته ، نجد القرآن يخصص القرآن ، ونجد حديث النبي صلى الله عليه وسلّم يخصص أيضاً عمومات القرآن حتى ولو كان آحادياً لأن دلالة العام دلالة ظنية .
وقد يختلف العلماء في تخصيص المخصصات لهذه العمومات وذلك بأن ينظر بعضهم إلى أن هذا المخصص جاء لسبب وأن هذا السبب قد فقد ، ولا يعتبر إذاً مخصصاً للعموم ، ونظر بعضهم إلى أنه لم يأت لسبب خاص وأنه لا يزال على تخصيصه للعموم مثال ذلك أن الله تبارك وتعالى قال (( قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ)) (الأنعام: من الآية145) ، هذا عام وقد جاء تخصيصه بكثير من المخصصات من ذلك تحريم الصيد على المحرم فهو مخصص لهذا العموم ، ومن ذلك أيضاً تحريم الخمر لأن الخمر من ضمن المطعومات وهو مخصص لهذا العموم .
ولكن مع هذا كله أيضاً هناك مخصصات اختلف العلماء فيها كتخصيص هذا العموم بتحريم الحمر الأهلية لأنه ورد النهي عن الحمر الأهلية ، ولكن كثيراً من العلماء قالوا بأن هذا النهي إنما هو لأجل حملها متاع الناس وحاجة الناس إليها وإلا لما نهي عنها ، فنظراً إلى هذا اختلف العلماء ، ولا يعنف أحد ممن يقول برأي في مثل هذا الأمر .وكذلك تخصيص هذا العموم بتحريم ذوات الناب من السباع والمخالب من الطير .
ومثل هذه المخصصات أيضاً المخصصات التي طرأت على قول الله تبارك وتعالى: (( وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ )) (النساء: من الآية24) ، هنالك مخصصات مجمع عليه لا يجوز الخلاف فيها بأي حال من الأحول لأن الأمة أجمعت عليها كتخصيص هذا العموم بتحريم كل ما هو حرام من قبل النسب إذا كان من جهة الرضاع بحيث يلحق الرضاع بالنسب ، جاءت أحاديث بذلك والأحاديث أجمع عليها وبسبب هذا الإجماع عليها كان ذلك مما لا يسوغ لأحد أن يخالف .
وهناك بعض المخصصات الأخرى قد تكون بسبب النظر والاختلاف كخطبة المرأة في عدتها إلى غير ذلك ، هذه الأمور إنما هي أمور راجعة إلى أدلة ظنية ، وما كان الاختلاف فيه بسبب الرجوع إلى الأدلة الظنية فإنه لا يسوغ التفسيق فيه ، وفي هذا تكون الرحمة بالعباد ، أما أن يخالف أحد نصاً قطعياً في كتاب الله فذلك مما يسوغ أبداً ، والله تعالى أعلم .
المصدر برنامج سؤال أهل الذكر 15 من ذي الحجة 1423هـ ، 16/2/2003 م (http://om.s-oman.net/showthread.php?s=&threadid=57805)
كيف يكون اختلاف علماء المسلمين رحمة للأمة الإسلامية ؟
جواب لسماحة الشيخ العلامة أحمد بن حمد الخليلي حفظه الله:
نعم ، اختلاف علماء المسلمين هو رحمة بالأمة الإسلامية فيما إذا كان هذا الاختلاف في الفروع ، أي لم يصادم نصاً قطعي الدلالة وقطعي المتن ، أما إن صادم نصاً قطعي الدلالة وقطعي المتن ففي هذه الحالة يكون هذا الاختلاف سبباً للنقمة لأنه لا يجوز لأحد أي كان أن يخالف أمر الله ، أو أن يخالف أمر رسوله صلى الله عليه وسلّم ، فالله تبارك وتعالى يقول (( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً )) (الأحزاب:36) ، وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده بأن يطيعوه ، وأن يطيعوا رسوله صلى الله عليه وسلّم ، ثم أن يطيعوا أولياء أمورهم ولكن مع ذلك نبه أنه عند الاختلاف والتنازع يجب أن يرد الأمر كله إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلّم فقد قال الله سبحانه وتعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) (النساء:59) ، فأمر الله تعالى إنما هو أمر رب السموات والأرض خالق الكون مصرف الوجود الذي أسبغ على العبد نعمه ظاهرة وباطنة ومنه مبدأه وإليه منتهاه فهو جدير أن يطاع ولا يعصى ، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلّم إنما هو أمر المبلغ عن الله الذي هو معصوم من الخطأ والزلل الذي وصفه الله تبارك وتعالى بقوله ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) (النجم:3-4) ، وقد جعل الله طاعته صلى الله عليه وسلّم من طاعته عز وجل فقد قال: (( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً )) (النساء:80) ، فإذاً لا يجوز أن يأتي أحد أياً كان ليرد حكماً جاء عن الله تبارك وتعالى أو جاء عن رسوله صلى الله عليه وسلّم مع ثبوت ذلك الحكم وصحته .
وهذا على أي حال كما قلنا عندما يكون النص قطعي الدلالة وقطعي المتن ، أما عندما يكون غير قطعي الدلالة كأن يكون عاماً فإنه قد يختلف العلماء في تخصيصه بالمخصصات المتنوعة ، هناك مخصصات كثيرة تخصص العمومات حتى قيل ما من عموم إلا وقد خصص ما عدا الأشياء التي لا يجوز أن تخصص أي التي يقتضي العقل استحالة تخصيصها ، فهذه العمومات تكون عموماتها قطعية الدلالة ولا تكون ظنية الدلالة فحسب لأن العقل يقضي باستحالة تخصيصها كقول الله تبارك وتعالى ( وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً ) (الجـن:3) فلا يجوز أبداً أن يخصص هذا العموم ، وكقوله سبحانه: ( لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ) (الاخلاص:3) ، فلا يجوز أن يقال بأن هذا العموم مخصوص وأن الله تعالى ولد أحداً أو ولده أحد تعالى الله عن ذلك ، وكذلك قوله: (( وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ )) (الاخلاص:4) ، وكذلك قوله: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) (الشورى: من الآية11) ، إلى غير ذلك من الآيات التي يقتضي العقل استحالة تخصيصها .
أما العمومات التي تتعلق بأفعال العباد فإن هذه هي التي خصصت حتى قيل ما من عموم إلا وقد خصص ذلك إنما يرجع إلى العمومات التي تتعلق بأفعاال العباد ، فنحن نجد في القرآن الكريم التخصيص لكثير مما جاء من عموماته ، نجد القرآن يخصص القرآن ، ونجد حديث النبي صلى الله عليه وسلّم يخصص أيضاً عمومات القرآن حتى ولو كان آحادياً لأن دلالة العام دلالة ظنية .
وقد يختلف العلماء في تخصيص المخصصات لهذه العمومات وذلك بأن ينظر بعضهم إلى أن هذا المخصص جاء لسبب وأن هذا السبب قد فقد ، ولا يعتبر إذاً مخصصاً للعموم ، ونظر بعضهم إلى أنه لم يأت لسبب خاص وأنه لا يزال على تخصيصه للعموم مثال ذلك أن الله تبارك وتعالى قال (( قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ)) (الأنعام: من الآية145) ، هذا عام وقد جاء تخصيصه بكثير من المخصصات من ذلك تحريم الصيد على المحرم فهو مخصص لهذا العموم ، ومن ذلك أيضاً تحريم الخمر لأن الخمر من ضمن المطعومات وهو مخصص لهذا العموم .
ولكن مع هذا كله أيضاً هناك مخصصات اختلف العلماء فيها كتخصيص هذا العموم بتحريم الحمر الأهلية لأنه ورد النهي عن الحمر الأهلية ، ولكن كثيراً من العلماء قالوا بأن هذا النهي إنما هو لأجل حملها متاع الناس وحاجة الناس إليها وإلا لما نهي عنها ، فنظراً إلى هذا اختلف العلماء ، ولا يعنف أحد ممن يقول برأي في مثل هذا الأمر .وكذلك تخصيص هذا العموم بتحريم ذوات الناب من السباع والمخالب من الطير .
ومثل هذه المخصصات أيضاً المخصصات التي طرأت على قول الله تبارك وتعالى: (( وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ )) (النساء: من الآية24) ، هنالك مخصصات مجمع عليه لا يجوز الخلاف فيها بأي حال من الأحول لأن الأمة أجمعت عليها كتخصيص هذا العموم بتحريم كل ما هو حرام من قبل النسب إذا كان من جهة الرضاع بحيث يلحق الرضاع بالنسب ، جاءت أحاديث بذلك والأحاديث أجمع عليها وبسبب هذا الإجماع عليها كان ذلك مما لا يسوغ لأحد أن يخالف .
وهناك بعض المخصصات الأخرى قد تكون بسبب النظر والاختلاف كخطبة المرأة في عدتها إلى غير ذلك ، هذه الأمور إنما هي أمور راجعة إلى أدلة ظنية ، وما كان الاختلاف فيه بسبب الرجوع إلى الأدلة الظنية فإنه لا يسوغ التفسيق فيه ، وفي هذا تكون الرحمة بالعباد ، أما أن يخالف أحد نصاً قطعياً في كتاب الله فذلك مما يسوغ أبداً ، والله تعالى أعلم .
المصدر برنامج سؤال أهل الذكر 15 من ذي الحجة 1423هـ ، 16/2/2003 م (http://om.s-oman.net/showthread.php?s=&threadid=57805)