المساعد الشخصي الرقمي

عرض الإصدار الكامل : كيف يكون اختلاف علماء المسلمين رحمة للأمة الإسلامية ؟


أبو مجاهد
20/02/2003, 04:26 PM
سؤال:
كيف يكون اختلاف علماء المسلمين رحمة للأمة الإسلامية ؟

جواب لسماحة الشيخ العلامة أحمد بن حمد الخليلي حفظه الله:
نعم ، اختلاف علماء المسلمين هو رحمة بالأمة الإسلامية فيما إذا كان هذا الاختلاف في الفروع ، أي لم يصادم نصاً قطعي الدلالة وقطعي المتن ، أما إن صادم نصاً قطعي الدلالة وقطعي المتن ففي هذه الحالة يكون هذا الاختلاف سبباً للنقمة لأنه لا يجوز لأحد أي كان أن يخالف أمر الله ، أو أن يخالف أمر رسوله صلى الله عليه وسلّم ، فالله تبارك وتعالى يقول (( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً )) (الأحزاب:36) ، وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده بأن يطيعوه ، وأن يطيعوا رسوله صلى الله عليه وسلّم ، ثم أن يطيعوا أولياء أمورهم ولكن مع ذلك نبه أنه عند الاختلاف والتنازع يجب أن يرد الأمر كله إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلّم فقد قال الله سبحانه وتعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) (النساء:59) ، فأمر الله تعالى إنما هو أمر رب السموات والأرض خالق الكون مصرف الوجود الذي أسبغ على العبد نعمه ظاهرة وباطنة ومنه مبدأه وإليه منتهاه فهو جدير أن يطاع ولا يعصى ، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلّم إنما هو أمر المبلغ عن الله الذي هو معصوم من الخطأ والزلل الذي وصفه الله تبارك وتعالى بقوله ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) (النجم:3-4) ، وقد جعل الله طاعته صلى الله عليه وسلّم من طاعته عز وجل فقد قال: (( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً )) (النساء:80) ، فإذاً لا يجوز أن يأتي أحد أياً كان ليرد حكماً جاء عن الله تبارك وتعالى أو جاء عن رسوله صلى الله عليه وسلّم مع ثبوت ذلك الحكم وصحته .

وهذا على أي حال كما قلنا عندما يكون النص قطعي الدلالة وقطعي المتن ، أما عندما يكون غير قطعي الدلالة كأن يكون عاماً فإنه قد يختلف العلماء في تخصيصه بالمخصصات المتنوعة ، هناك مخصصات كثيرة تخصص العمومات حتى قيل ما من عموم إلا وقد خصص ما عدا الأشياء التي لا يجوز أن تخصص أي التي يقتضي العقل استحالة تخصيصها ، فهذه العمومات تكون عموماتها قطعية الدلالة ولا تكون ظنية الدلالة فحسب لأن العقل يقضي باستحالة تخصيصها كقول الله تبارك وتعالى ( وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً ) (الجـن:3) فلا يجوز أبداً أن يخصص هذا العموم ، وكقوله سبحانه: ( لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ) (الاخلاص:3) ، فلا يجوز أن يقال بأن هذا العموم مخصوص وأن الله تعالى ولد أحداً أو ولده أحد تعالى الله عن ذلك ، وكذلك قوله: (( وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ )) (الاخلاص:4) ، وكذلك قوله: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) (الشورى: من الآية11) ، إلى غير ذلك من الآيات التي يقتضي العقل استحالة تخصيصها .
أما العمومات التي تتعلق بأفعال العباد فإن هذه هي التي خصصت حتى قيل ما من عموم إلا وقد خصص ذلك إنما يرجع إلى العمومات التي تتعلق بأفعاال العباد ، فنحن نجد في القرآن الكريم التخصيص لكثير مما جاء من عموماته ، نجد القرآن يخصص القرآن ، ونجد حديث النبي صلى الله عليه وسلّم يخصص أيضاً عمومات القرآن حتى ولو كان آحادياً لأن دلالة العام دلالة ظنية .

وقد يختلف العلماء في تخصيص المخصصات لهذه العمومات وذلك بأن ينظر بعضهم إلى أن هذا المخصص جاء لسبب وأن هذا السبب قد فقد ، ولا يعتبر إذاً مخصصاً للعموم ، ونظر بعضهم إلى أنه لم يأت لسبب خاص وأنه لا يزال على تخصيصه للعموم مثال ذلك أن الله تبارك وتعالى قال (( قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ)) (الأنعام: من الآية145) ، هذا عام وقد جاء تخصيصه بكثير من المخصصات من ذلك تحريم الصيد على المحرم فهو مخصص لهذا العموم ، ومن ذلك أيضاً تحريم الخمر لأن الخمر من ضمن المطعومات وهو مخصص لهذا العموم .

ولكن مع هذا كله أيضاً هناك مخصصات اختلف العلماء فيها كتخصيص هذا العموم بتحريم الحمر الأهلية لأنه ورد النهي عن الحمر الأهلية ، ولكن كثيراً من العلماء قالوا بأن هذا النهي إنما هو لأجل حملها متاع الناس وحاجة الناس إليها وإلا لما نهي عنها ، فنظراً إلى هذا اختلف العلماء ، ولا يعنف أحد ممن يقول برأي في مثل هذا الأمر .وكذلك تخصيص هذا العموم بتحريم ذوات الناب من السباع والمخالب من الطير .
ومثل هذه المخصصات أيضاً المخصصات التي طرأت على قول الله تبارك وتعالى: (( وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ )) (النساء: من الآية24) ، هنالك مخصصات مجمع عليه لا يجوز الخلاف فيها بأي حال من الأحول لأن الأمة أجمعت عليها كتخصيص هذا العموم بتحريم كل ما هو حرام من قبل النسب إذا كان من جهة الرضاع بحيث يلحق الرضاع بالنسب ، جاءت أحاديث بذلك والأحاديث أجمع عليها وبسبب هذا الإجماع عليها كان ذلك مما لا يسوغ لأحد أن يخالف .

وهناك بعض المخصصات الأخرى قد تكون بسبب النظر والاختلاف كخطبة المرأة في عدتها إلى غير ذلك ، هذه الأمور إنما هي أمور راجعة إلى أدلة ظنية ، وما كان الاختلاف فيه بسبب الرجوع إلى الأدلة الظنية فإنه لا يسوغ التفسيق فيه ، وفي هذا تكون الرحمة بالعباد ، أما أن يخالف أحد نصاً قطعياً في كتاب الله فذلك مما يسوغ أبداً ، والله تعالى أعلم .

المصدر برنامج سؤال أهل الذكر 15 من ذي الحجة 1423هـ ، 16/2/2003 م (http://om.s-oman.net/showthread.php?s=&threadid=57805)

أبو مجاهد
20/02/2003, 04:30 PM
هذه مجموعة من الأسئلة عرضت على سماحة الشيخ العلامة أحمد بن حمد الخليلي حفظه الله قبل عدة أيام ، نفرد لها موضوعا خاصا لأهميتها. وجزى الله خيرا من نقل هذا العمل ليستفيد منه القراء.

سؤال :
هناك من يتمسك بهذه المقولة وهي أن اختلاف العلماء رحمة ، ثم يردف هذه المقولة بمقولة أخرى : من أخذ بقول من أقوال المسلمين فهو سالم ، ألا ترون سماحة الشيخ أن هذه المقولة مع تلك تؤدي إلى نوع من الانسياب في السلوك المسلم ؟

الجواب:
على أي حال لا ريب أن اختلاف العلماء رحمة ، ولكن لا يعني هذا أن تتسيب الأمة بحيث تتتبع الرخص فيأخذ المسلم بهذا الرأي وبهذا الرأي وبهذا الرأي حتى يركب من عمله مجموعة من آراء لا تعود هذه الآراء إلى قول أحد من علماء الأمة ، هذا مما لا يسوغ ، ولذلك ضبط كثير من العلماء مثل هذه الأحوال بوجوب أن يرجع العامي الجاهل الذي لا يستطيع أن يرجح رأياً على رأي إلى رأي العالم المعاصر القادر على الترجيح والنظر والاستدلال حتى يوجهه إلى الأخذ بالدليل الراجح فلعله يبين له الدليل فيكون بذلك هذا العامي قد أخذ بالدليل متابعة لذلك العالم الذي بيّن له الدليل . أما أن يُترك الحبل على الغارب ويفسح المجال لأي أحد يأخذ بما شاء من الآراء ويدع ما يشاء فقد يفضي هذا الأمر إلى أن يجمع شتيتاً من الآراء بحيث يتبع هذا العالم فيما ترخص فيه ويترك بتشدداته ، ويأخذ برخصة العالم الآخر ويدع أيضاً تشدداته ، ويأخذ برخصة العالم الآخر في المسألة الأخرى ويدع تشدداته ، فيجمع مزيجاً غريباً وخليطاً عجيباً من الآراء الشاذة التي لا ينبغي لأحد أن يعول عليها ، لا ريب أن اختلاف علماء الأمة أيضاً رحمة لكن لا على هذا الأساس ، فإن كان هذا العامي مقلداً لعالم فليأخذ بقوله في المسائل الفرعية من غير أن يخرج عن رأي ذلك العالم ، هكذا ينبغي ، والله تعالى أعلم .

المصدر مذكور في الأعلى

أبو مجاهد
20/02/2003, 04:48 PM
سؤال:
كيف يمكن أن تكون مصائب الأمة المسلمة سبيلاً لتوحيد وجمع كلمتها ؟

الجواب :
نعم ، الأمة المسلمة هي قبل كل شيء مطالبة بأن تكون أمة واحدة ، أمة لا تختلف ولا تتنازع لأن دينها دين وحدة كما أنه دين توحيد ، فالله تبارك وتعالى كما دعاها إلى أن توحده وأن تفرده بالعبادة ، كذلك دعاها إلى أن تتوحد فيما بينها فقد قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (آل عمران: 102-103) ، وحذّر الله تعالى هذه الأمة من التفرق والتنازع كما تفرقت الأمم من قبل وتنازعت وقد قال سبحانه وتعالى ( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (آل عمران:105) ، وبيّن أن التفرق صفة للمشركين وذلك عندما قال ( وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) (الروم:31-32 ) ، وكذلك بيّن أن النبي صلى الله عليه وسلّم بريء من أولئك المتفرقين المختلفين الذين فرقوا أمر دينهم فقد قال سبحانه ( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ) (الأنعام: من الآية159) ، وحذّر الله سبحانه وتعالى هذه الأمة من التنازع والتفرق وبيّن أن ذلك سبب لذهاب الريح فقد قال سبحانه ( وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُم ْ) (الأنفال: من الآية46) ، كل ذلك مما يدعو هذه الأمة إلى أن تتوحد ، فضلاً عن كون جميع التعاليم التي جاء بها دينها تقتضي الوحدة فيما بينها ، فالعبادات كل عبادة من العبادات تؤدي إلى الوحدة ، فالصلاة مؤدية إلى الوحدة ، إذ كل كلمة من الكلمات التي ينطق بها المصلي في صلاته إنما هي كلمة حية تنبض بمعاني إيمانية تدعو المسلم إلى المسلم ليتوحدا في ظل العبودية لله سبحانه وتعالى ، كما أن هذه الصلاة في جمعها للمصلين وانتظام صفوفهم وانتظام حركاتهم جميعاً وراء الإمام بحيث يركعون معاً ويسجدون معاً ويرفعون من الركوع والسجود معاً كل ذلك مما يدعو إلى أن تتوحد لأن ذلك يقتضي توحد مشاعرها ، وما هذا التوحد في الحركات إلا مظهر للوحدة الإيمانية التي هي مطلوبة من هذه الأمة . على أن هذا الاجتماع الذي يجمع شتيتاً من المصلين إنما هو في الحقيقة أيضاً مظهر للوحدة نظراً إلى أن الأمة على اختلاف أحوالها تتوحد في هذا ، فالغني يقف إلى جانب الفقير ، والقوي يقف إلى جانب الضعيف ، والحاكم يقف إلى جانب المحكوم ، والعربي يقف إلى جانب الأعجمي ، والأبيض يقف إلى جانب الأسود ، فلا فارق بين هذا وذاك فكل من ذلك يدل على الوحدة الواجبة .

كما أن الزكاة كذلك تجمع المشاعر وتوحد المؤمنين لأنها تفجر مشاعر الرحمة في نفوس الأغنياء الذي يسخون بمالهم ، ومن عادة الإنسان إذا سخا بماله أن يتألم لأحوال الفقراء والمساكين إلا عندما يجود بماله فهذا الألم الذي ينبعث في نفسه لما يراه من أحوالهم لا يشفيه إلا أن يجود بماله ، وهذا مما يدعو أيضاً الفقراء والمساكين إلى أن يشعروا تجاه إخوانهم الأغنياء بمشاعر الوحدة الإيمانية التي تجمع هؤلاء وهؤلاء جميعاً في ظل العبودية لله .

والصيام كذلك ، الصيام فيه أكثر من معنى يدعو إلى الوحدة ما بين عباد الله تعالى الصائمين ، من ذلك نفس هذا الانتظام في تناول الطعام بحيث لا يكون أحد أسبق إلى تناوله من الآخر ، وإنما يتناولونه جميعاً في وقت واحد ، يفطرون جميعاً في ساعة واحدة في لحظة واحدة ، كما يكفون عن الطعام في وقت واحد ، ويشرعون في الصيام في لحظة واحدة ، كل ذلك مما يوحد الأمة ، فضلاً عما في الصيام من التربية على الأخلاق التي يدل عليها قول النبي صلى الله عليه وسلّم : إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل فإن أحد سابه أو قاتله فليقل إني صائم . فإن هذا أعظم خلق ، أسمى خلق يربي عليه النبي صلى الله عليه هذه الأمة ، فالإنسان ليس مطلوباً منه أن يكف أذاه عن الغير فحسب ، بل المطلوب منه أن يتحمل أذى الغير ، وألا يقابل الإساءة بمثلها ، فإن تعامل المؤمنون بمثل هذه الأخلاق كان ذلك داعيا إلى الاتحاد .

والحج أيضاً يجمع شتيت الأمة ، يجمع الوفود التي تأتي من كل صوب وحدب ، من مشارق الأرض ومغاربها وشمالها وجنوبها ليلتقوا جميعاً في صعيد واحد لا يفرق بين هذا وذاك شيء ، إنما الكل يظهر في مظهر واحد ، لا فرق بين القوي والضعيف ، ولا بين الغني والفقير ، ولا بين العربي والأعجمي ، ولا بين القاصي والداني إنما الكل يظهر في مظهر واحد ، ويرددون جميعاً بلسان واحد لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ، هذا مما يدعو الأمة إلى الاتحاد ، ويدعو إلى إزالة الفوارق بينهم وكسر الحواجز التي تفصل بعضهم عن بعض ، وهكذا المعاملات بأسرها إنما هي مبنية على الأخلاق ، فإن المعاملات تدعو إلى الوحدة ، فنحن نجد كيف شرعت الحقوق في الإسلام ، شرع حق الوالدين وحق الأولاد وحق الأرحام وحق الجوار وحق المسلم على المسلم كل ذلك من أجل التوحد .
كما أن المعاملات المالية وغيرها مبنية على الأخلاق ، فقد نُهي الإنسان يساوم على سوم أخيه ، أو يخطب على خطبته وهذا مما يدعو إلى اتحاد مشاعرهم . والنبي صلى الله عليه وسلّم يجسد هذه المشاعر الإيمانية التي تجمع شتيت الأمة عندما يقول : ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر .

ولما كان ذلك هو الدين وهذه هي القيم التي يدعو إليها الإسلام ، وهذه هي الحلية التي تتحلى بها هذه الأمة فإذاً هي مطالبة بأن تكون أمة وحدة ، ولئن كانت المصائب تنزل بهم فإن لك أحرى أن تكون باعثة إلى الاتحاد وقاضية بالتآخي . المسلم عليه أن يشعر بمشاعر الألم عندما يتألم أي مسلم من أي مسلم آخر ، لو تألم أحد في مشارق الأرض فعلى من في مغاربها أن يتألم لألمه وكذا العكس ، والمسلم يشعر أيضاً بالفرحة بفرح المسلم ، فانتصار المؤمنين مما يجعل كل مؤمن في الأرض يشعر بالفرحة الغامرة التي تغمر القلوب بسبب هذا الانتصار ، وكذلك عندما يصاب المسلمون بنكبة .

فإذن كون هذه الأمة مستهدفة في عقيدتها ، ومستهدفة في سياستها ومستهدفة في أخلاقها وفي آدابها ومستهدفة في ثقافتها وقيمها ومستهدفة في قوتها وحريتها كل ذلك مما يدعو الأمة إلى الاتحاد فيما بينها ، وأن يعطف بعضها على بعض ، وأن يكون الكل متحابين في الله ساعين إلى الرابطة المقدسة التي تربط بينهم . على أن هذا الحب في الله لا يتم إلا في إطار تقوى الله تبارك وتعالى وطاعته والتآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر ، ونحن نرى ذلك واضحاً فيما وصف به الحق سبحانه وتعالى المؤمنين والمؤمنات يقول تعالى ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) (التوبة: من الآية71) ، معنى ذلك أن هذه هي أسباب الموالاة بين المؤمنين والمؤمنات ، فعندما يكون هؤلاء المؤمنون والمؤمنات يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله في اتباع ما أمرا به وفي الازدجار عما نهيا عنه فإن ذلك داع إلى الواحدة فيما بينهم ، وداع إلى أن تكون حبال الموالاة تشد بعضهم إلى بعض بحيث يتآخون في مشاعرهم وفي أحاسيسهم ، فلا يكون بينهم فرق قط ، وهذا على أي حال لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر داعيتان لأجل أن تتوحد الأمة ، فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب لتنقية الأمة من الشوائب ، شوائب الخلافات ، شوائب الخروج عن الحق والشذوذ عنه ، شوائب عدم المبالاة بحقوق الآخرين ، فعندما يكون هنالك تآمر بالمعروف وتناه عن المنكر تنقى الأمة من هذه الشوائب فتكون أمة متآخية مترابطة متوادة في الله ، وإقام الصلاة عامل مهم في ذلك لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، والزكاة كذلك لأن الزكاة تزكي هذه النفوس بحيث تنمي فيها الفضائل وتطهرها من الرذائل كما يقول الله تبارك وتعالى ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) (التوبة: من الآية103) ، وطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلّم تستوجبان أن يتقى الحق سبحانه وتعالى باتباع ما أمر به ، والازدجار عما نهى عنه ، وباتباع ما أمر به رسوله صلى الله عليه وسلّم ، والازدجار عما نهى عنه ، وبذلك تكون الأمة أمة قوية ، أمة متآخية مترابطة يوالي بعضها بعضاً في ظل تقوى الله تبارك وتعالى وطاعته .

أبو مجاهد
20/02/2003, 04:51 PM
سؤال :
أشار الشيخ علي يحيى معمر إلى نظرية المعرفة والتعارف والاعتراف ، وبيّن أنها هي أهم ما يمكن يوصل الناس إلى صهر الخلافات المذهبية فيما بينهم ، فنريد كلمة حول هذه النظرية ، وكيف تصل بنا إلى هذا المبدأ الوحدوي العظيم .

الجواب :
نعم ، المعرفة أن لا يُصدر أحد حكماً ضد غيره إلا بعد معرفته بأحواله ، فلا بد للناس من أن يطلع كل فريق منهم على ما عند الفريق الآخر ، حتى يمكن أن يتصوره تصوراً صحيحاً تاماً ، ثم بعد هذا أن يكون التعارف ما بين هؤلاء وهؤلاء ، هذا مما ينتج عنه التآلف وزوال الوحشة والفرقة التي تفصل بعضهم عن بعض ، والله تعالى أعلم .

عبد الكافي
01/03/2003, 06:54 AM
جزاك الله خيرا يا ابا مجاهد على هذه المواضيع الرائعة

فالح الحربي
04/03/2003, 08:48 PM
أغلب المسلمين لا يعرفون معنى الاختلاف
في هذا العصر ويصارعون بعضهم بعض
على اشياء ليست من اصول الدين :معصب:

السهم المسدد
10/03/2003, 05:15 PM
جزاك الله خيرا يا ابا مجاهد
اختصرت الموضوع لان البعض لا يقرأ المقالات الطويلة
ومن قصد البحر استقل السواقيا

اختلاف العلماء نقمة ما بعدها نقمة !! (http://om.s-oman.net/showthread.php?s=&threadid=61254)

البدر المنير
24/09/2003, 01:44 PM
للرفع بعد ان طالت هرطقة البعض على هذا الرابط:

حان الوقت لتغيير مذاهبنا (http://om.s-oman.net/showthread.php?s=&threadid=93113)

مفكر مسلم مجهول
29/08/2004, 04:44 PM
شكرا أبا مجاهد.. بارك الله فيكما..

المعافري
31/08/2004, 11:56 PM
يرفع :)