المساعد الشخصي الرقمي

عرض الإصدار الكامل : سيرة وإنفتحت: المبدع العربي بين ثقافة السلطة وسلطة الثقافة !!


البسيوي
04/04/2004, 12:53 PM
استقلالية ام تبعية؟ مع السلطة ام خارجها ام عليها؟ هل يكون القلم مصدرا للرزق ام مبعثا للصدق؟ قد تكون الاجابة عن هذه الاسئلة هي موضوع الجدل الاول الذي خاض فيه المثقف او المبدع منذ ان كان. فمسألة النأي عن او القرب من المؤسسة الحاكمة ظلت هاجسا يقلق من اختار «الكدح الذهني» مهنة له، سواء نبت وعيه داخل نظام شمولي او حلق ابداعه في ارجاء نظام ليبرالي.

وقد انشغل المثقفون العرب في حقب تنوعت في السياسات وتبدلت الانظمة، بمسألة الاستقلالية، مطلبا للنجاة حينا وسعيا وراء النجاة والسلامة او حتى الكسب في احيان اخرى. وفي وقت من الاوقات كان الاحتماء بالايديولوجيا والتفكير باستراتيجيتها ضمانا للمثقف لكي يحصن نفسه ويمنح الشرعية اللازمة لنتاجه، ولكن مع تبدل الازمان والدول وجد كثير من المثقفين انفسهم بانه لم يعد مطلوبا منهم لعب الدور الدعوي او هم بالاحرى لم يعودوا قادرين على القيام بمثل هذه الوظيفة. ثم وجد كثيرون انفسهم انهم امام دولة مهيمنة بمؤسساتها تمتلك او تدير كل ما له علاقة بالثقافة والاعلام والتعليم فضلا عن الاقتصاد والامن.. وهنا اصبح السؤال اكثر حرجا: هل نبقى خارج الاطار ام ليس باليد الا الانضواء في السياق العام؟

ولأن المسألة ليست لعبة من العاب الجمباز أو مجرد تجريبات فكرية لم يكن هناك مفر من حسم الاختيار، وايا ما كان ذلك الاختيار ـ نأيا او انضواء ـ لم تكن هناك فرقة ناجية.

ولعل لحظة سقوط نظام صدام حسين والالتباسات التي نشأت عن علاقة ذلك النظام بالمثقفين، عراقيين وعربا، كانت مبررا لدى كثيرين لرفع الحرج في اثارة سجال قديم جديد حول استقلالية المثقف، على خلفية انخراط العديد من المبدعين العراقيين في مؤسسات تابعة للدولة ايام صدام حسين (صحف، مجلات، مراكز اعلامية وثقافية في الداخل والخارج).

وفي ضوء ذلك، ارتأت «الشرق الاوسط» ان تفتح مجالا اوسع لهذا السجال / النقاش، فوجهت الاسئلة التالية الى المثقفين والمبدعين العرب قصد اغناء الحوار وليس تأجيجه:

1 ـ هل تعتبر المثقف نسيجا مفارقا لمجتمعه في تحمل تبعات واقع لا يد له فيه، ولا قدرة عملية على تغييره.. وبالتالي هل المثقف محصن اكثر من غيره في مواجهة الجوع والخوف والقلق؟
2 ـ هل من الصحيح رمي المثقفين الذين اضطروا الى تحصيل لقمة العيش من مؤسسات النظام دون السقوط في مستنقع التبجيل، بالادانة والعزل؟
3 ـ هل تجد ان هناك بالفعل مؤسسات مستقلة قادرة على حماية المثقف العربي من ربقة الاستلاب والاستقطاب؟
4 ـ هل تعتبر ان هذه القضية هي عربية بامتياز ام انها قضية عالمية خصوصا عند استرجاع حالات مشهورة كمثل الموقف الصادم للكاتب الاميركي شتاينبك عندما استقل طائرة اميركية ذاهبة للترفيه عن الجنود الاميركيين في فييتنام وهو الذي فقد ابنه هناك. وبعده ما فعله اليساري الفرنسي صديق تشي غيفارا ريجيس دوبريه الذي نجا من الاعدام ليصبح مستشارا للرئيس ميتران. وبعدهما ايضا خافيير سولانا الذي انتقل من قيادة حزب العمال اليساري الاسباني ليصبح امينا عاما لحلف الاطلسي؟

المحرر الثقافي
جريدة الشرق الأوسط اللندنية

البسيوي
04/04/2004, 12:54 PM
يؤكد الناقد المصري ابراهيم فتحي انه لا يوجد المثقف المستقل بنفسه «ولا يوجد المثقف الذي هو كذرة مغلقة على ثقافتها، انما المثقف ينتمي الى المجال الثقافي، والمجال الثقافي قد يكون له استقلاله عن المجال السياسي أو مجال السلطة، لكنه لا يمكن ابدا ان يكون منفصلا عنه، هناك مثقفو السلطة، والسلطة تعتمد في تشريعاتها في مؤسساتها التعليمية والاعلامية والاقتصادية والثقافية عليهم، ولا يمكن ان تقول لهؤلاء استقلوا عن السلطة لانهم صوتها، ولأنها شريان حياتهم، وهناك مثقفون ينتمون الى قطاعات مختلفة عن الواقع الاجتماعي، هؤلاء المثقفين من الممكن ان نناقش امكانية استقلالهم».

ويتساءل فتحي: مثقفو الابداع الذين يكتبون القصة والرواية والنقد هل يمكن في مجتمعنا العربي ان يعيشوا من اقلامهم، وهل توزيع الكتاب يكفي لان يعولهم، بحيث يعتمدون على اقلامهم وعلى ارائهم التي تباع في السوق فقط.

ويضيف فتحي ان معظم مثقفي الابداعات يعملون في اشياء اخرى مثل الصحافة أو المؤسسات التعليمية أو الثقافة، وبالتالي يكون استقلالهم محدودا، ولا نستطيع ان نقول ان المجال الثقافي يمكن ان يجعلهم مستقلين بالكامل عن السلطة، ولكن بخصوص مسائل معنية مثل هل يخضع المثقفون للرقابة وللتوجيهات، ولوزارة الاعلام، ولوزارة الثقافة، ومؤسساتها ولدور النشر الخاصة، سنجد انه بطبيعة الحال من الممكن، لان السلطة لا تسيطر بالكامل على المجتمع ولا على آراء الناس.. هناك اتجاهات ترفض آراء السلطة.

ويؤكد فتحي ان المسألة ليست استقلالا أو غير استقلال، لان السلطة ليست الحكومة فقط، هناك رأس المال وله سلطة والسلطة الدينية وسلطة الرأي العام، والكاتب قد يكون محافظا في نواح، وقد يرفض اشياء يعتبرها معادية للدين وللاخلاق، فالسلطة سلطات، والمثقف ينتمي الى دوائر مختلفة ومتعددة، واذا كان المثقف باحثا أو فنانا أو دارسا فلكل مهنة قيم معينة ويجب عليه ان يكون متمتعا مع ذلك بدرجة من الاستقلال الذاتي، وكل ذلك يتم عن طريق السير على الاشواك والحفر بالاظفار في الصخر والتعرض للاضطهاد، وانواع التضييق في الرزق.

وحول وجود جهات تحمي المثقف يقول الناقد ابراهيم فتحي أن المسألة ليس ان توجد سلطة في مواجهة سلطة، وهل هناك اتجاهات تقاوم الطغيان أم لا، والمثقف اذا ارتبط بهذه الحركة في المجتمع فإنه يستطيع ان يتكئ عليها ويكون سلطة، والمسألة ليست جمبازا أو تجريبات فكرية لان هناك حدودا دائما، والمثقف لا يكتب لنفسه، وحدود حرية التعبير يحددها المثقفون انفسهم ويطالبون بقوانين تحد من الاضطهاد والسجن والعقوبات ليس لهم وحدهم، لان حرية التعبير تعني حرية بقية المواطنين، وهي مسألة متعلقة بحركة المجتمع، وعموما فهذه المؤسسات في مرحلة التكوين وليست جاهزة في أي بلد من البلاد، وهي تزدهر وتتآكل حسب فاعلية المشاركين فيها، لان المؤسسات الديمقراطية لا توجد الا عند الحاجة اليها.

ويعتقد فتحي ان المثقف يذعن للسلطة بسبب لقمة العيش وهذه اللقمة تتفاوت من شخص لآخر، قد تكون مجرد كعكة، وقد تكون منصبا كبيرا، وهناك مكاسب ضخمة تقدمها السلطة الاقتصادية والسياسية والاعلامية، ويسعى بعض المثقفين وراءها كأنهم يبحثون عن الحقيقة أو القوانين، وبعض الذين يتولون المناصب في الهيئات الثقافية وفي التلفزيون مرتبط بالسلطة، أو شديد التفاهة، أو شديد الفساد، وهذه حالة الدنيا.

ويشير ابراهيم فتحي الى ان الاذعان للسلطة ظاهرة عالمية، وتاريخية، لكن في نفس الوقت لا يمكن للمؤسسات ان تصدر تعليمات لكل الكتاب حول كيف تكون الكتابة أو البحث أو الفن، ولو اعتمد المثقفون على هذا لما كانت الثقافة، ولذلك يوجد دائما ميل للاستقلالية، لكن تكون هناك ثقافة، ولا تكون، هذا مجرد تكرار ببغائي، وبعض المثقفين في اوروبا احرقوا وكثير جدا من المثقفين كبرتراند راسل سجن لانه وقف ضد السلطة.

يتبع ..

البسيوي
05/04/2004, 09:32 AM
ويعتقد الكاتب والباحث المصري نبيل عبد الفتاح ان السؤال عن طبيعة علاقة المثقف بالسلطة على الرغم من عموميته وارتفاعه عن السياقات التاريخية التي تطرح فيها اشكالية المثقف والسلطة الا انه في هذه اللحظة المتغيرة من زمن العالم اصبح ضروريا، لان هناك متغيرات جديدة اصبحت تحكم طبيعة هذه العلاقة الملتبسة بين المثقف والسلطة سواء كانت هذه السلطة سياسية أم دينية أم اجتماعية وخاصة في العالم العربي، لأن هناك التباسا تاريخيا مرجعه ان هناك تقليدا مصريا بالاساس وسم علاقة المثقف الحديث والتقليدي بالسلطة واجهزتها بالايديولوجية.

ويشير عبد الفتاح الى ان المثقف بامكانه ان يلعب دورا رياديا في تطوير المؤسسة وهياكلها وآلياتها بل وتفكير الصفوة الحاكمة ذاتها وايضا احداث تغيير اجتماعي الى الامام، والعلاقة التي ربطت المثقف شبه الحديث الذي ولد من رحم نمو نموذج الدولة القومية الحديثة، ومعه البعوث التي أرسلت الى فرنسا بالاضافة الى بعض المثقفين من غير ذوي الاصول المصرية الذين لعبوا دورا هاما في استعارة هياكل الحداثة والهندسات القانونية الغربية الحديثة التي كانت مدخلا الى تحديث الدولة والنظام السياسي وايضا في مجالات عديدة، هذه العلاقة جعلته يلعب دورا داخل الحياة السياسية في المعارضة أو كجزء من النخبة السياسية الحاكمة، وهناك ادوار هامة قام بها مثلا طه حسين وعباس محمود العقاد وعلي عبد الرازق، وآل عبد الرازق، والاجيال التي تلت هؤلاء من امثال الدكتور لويس عوض ويحيى حقي الى المرحلة المعاصرة في هذا التقليد، وعلى الرغم من الايجابيات في تطوير الدولة الا ان هذا النموذج لايزال يشكل مرجعا لدى المثقفين أو بالاحرى خبراء السلطة اكثر من كونهم مثقفين.
ويضيف عبد الفتاح ان هناك فارقا بين المثقف والسلطة لان المثقف لا بد ان يكون متميزا من خلال استقلال ذهنه عن مواقف السلطات الوضعية السائدة، والعلاقة التي ربطت بين بعض المثقفين المصريين والعرب وبعض مراكز الثقل النفطي فرضت اشكالا من القيود على حرية التفكير وهو ما ادى الى ضعف استقلالية المثقف ووهن دوره الاجتماعي.

ومن ناحية اخرى ـ يوضح عبد الفتاح ـ هناك خلط في فهم علاقة المثقف بالامور السياسية المباشرة ولا يزال هناك تصور لدور المثقف باعتباره دورا طليعيا وسياسيا وكلها نماذج قديمة فقدت توهجها، وكانت مرتبطة بافكار جرامشي. والواقع ان التغييرات في المشاهد الثقافية تقول ان دور المثقف الاساسي هو انتاج الابداع والمعرفة مستقلا عن الاخر السلطوي المحيط به، وليس من ادواره، ولا من وظائفه لعب الادوار الدعوية وليس مرتبطا بالارث اللينيني والماركسي ولا بإرث حركات التحرر الوطني في العالم الثالث آنذاك، وهو ما يجعلنا في حاجة الى اعادة تعريف المثقف والحقل الثقافي، ومن ثم فاستقلال الحقل والبنى الثقافية شرط استقلال المثقف عن جهاز الدولة.

ويعتقد نبيل عبد الفتاح ان المثقف العربي غالبا هو من ابناء الفئات الوسطى والشعبية ومن ثم اعتمد تاريخيا على الدولة في الحصول على مصادر الدخل، وهي في الغالب ليست مصادر كبيرة، وبالتالي سعى بعضهم الى خدمة السلطات تحسينا لاوضاعه وتيسيرا لحياته، ومن ثم نجد كثيرا من المثقفين المصريين يعملون لدى الدولة وبعضهم يعمل لدى بعض المؤسسات الثقافية والصحافية في العالم العربي، مع ملاحظة ان لكل دولة ضوابطها ورقابتها ومن ثم فهناك صعوبة بالغة في استقلالية المثقف.

ويؤكد عبد الفتاح ان استراتيجيات توظيف الدين ـ على سبيل المثال ـ في الشرعية السياسية أدت الى انفجار في المنظمات السياسية الاسلامية، وفي تعدد مراكز الثقل الناطقة باسم التقليدي والاصالة مما ادى الى حصار واسع النطاق لافكار المبدع الحديث. وبالتالي فنحن ازاء اعاقة تاريخية وسياسية من خلال فرض منظومات رهيبة من القوانين الاستثنائية التي تقيد الحريات والتمثيل السياسي وتمنع من الصعود لايجاد حرية في ظل هذه القيود، ولعل الحالة الاستثنائية هي فورة الانتاج الابداعي الروائي المصري لاجيال التسعينات وبعض عناصر من جيل الثمانينات، وايضا بروز أدوار طغيانية للسلطات الدينية والتأويلية في المجتمع والتي باتت تقمع حركة الفكر والابداع منطلقة من حرية التكفير.

يتبع ..

البسيوي
06/04/2004, 02:31 PM
اما الناقد والروائي المصري ادوار الخراط فيؤكد ان العلاقة الصحيحة بين المثقف والسلطة هي بالضرورة علاقة تناقض وتضاد لان المثقف بطبيعته وبطبيعة رسالته ومهمته يتطلع الى المستقبل، والى ما هو افضل، والسلطة بطبيعتها وبتعريفها تحرص على بقاء الحال على ما هو عليه، ومن ثم فلا بد ان يصون المثقف استقلاليته والا يرتبط بالسلطة ارتباطا عضويا وثيقا.

ويلمح الخراط الى ان المثقف قد يتحالف مع السلطة مؤقتا في سبيل تحقيق اهداف يسعى اليها، وترضى بها السلطة في ذات الوقت، ولكن ذلك التحالف، أو الترابط بالضرورة مرهون بتحقيق الهدف العاجل منه ولا يمكن ان يكون تحالفا دائما.

ويشدد الخراط على ان المثقف يجب ان يحتفظ باستقلاليته بعيدا عن يد السلطة، وعن استغلالها لاسمه ولتاريخه، ولسلطته المعرفية مهما كلفه هذا من تضحية، وليس في هذا الامر ادنى امكانية للتنازل أو التصالح اطلاقا.

ويعتقد الخراط ان تكوين المؤسسات الثقافية المستقلة التي تدافع عن المثقفين ضد قهر السلطة مهمة منوطة بالمثقفين انفسهم وهذه المؤسسات لا توجد حتى الان، ويجب على المثقفين رعاية اتحاداتهم المستقلة بقدرتهم واصرارهم على حمايتهم من عصف السلطة ايا كان نوعها سواء كانت سلطة رسمية أو سلطة الشارع أو الغوغائية.

ويعتقد الخراط ان ظاهرة اذعان المثقف للسلطة لا تقتصر على العالم العربي فقط، بل هي عالمية، لكن كما يوجد هذا يوجد نقيضه ايضا، ولا يمكن التعلل ببعض الاحداث لتبرير اذعان المثقف لأن ذلك مرفوض على أية حال ولا يوجد مثقف يذعن للسلطة الا بسبب واحد، هو خيانته لرسالته.

يتبع ..

البسيوي
07/04/2004, 05:07 PM
من جهتها تقول الكاتبة والناقدة المغربية زهور كرام في نفس الموضوع «لا شك أن دور المثقف الحيوي في حركة التاريخ وفي صياغة أسئلة الواقع والتعبير عن أشكال الخلل في مختلف مظاهر الحياة العامة والسياسية، يجعل له موقفا حساسا وخطيرا باعتبار امكانيات تأثيره في مسار الأحداث، وهذا ما يجعله مستهدفا من قبل المؤسسة والسلطة، إما من أجل تحويله الى بوق يعبر بخضوع تام عن خطاب المؤسسة أو من أجل استغلال شرعيته في امتلاك القدرة على التأثير. ولعلنا قد عرفنا في العالم العربي في اطار سمي بـ «الثنائيات»، ثنائية السلطة والمثقف، خاصة في مرحلة اختناق حقوق الانسان. ونظرا لكون المسافة كانت جد عميقة بينهما، فقد تمت محاولات اقصاء المثقف الذي يختار موقعه المستقل بعيدا عن الوصاية وتمت عملية تهجير المثقفين وابعادهم عن معانقة أسئلة شعوبهم، لتكتفي السلطة بعينة من المثقفين الذين يخدمون خطابها.

كان الاحتماء بالايديولوجيا والتفكير باستراتيجيتها ضمانا للمثقف لكي يحصن من جهة شرعية خياره ويجعل بتفكيره خطا ايضاحيا، لكن مع تراجع مجموعة من الايديولوجيات واختلال التوازنات واختلاط الأوراق وامتلاء الساحة بالفوضى وهيمنة فكرة السوق بكل ما تحمله من معاني الاستهلاك السريع والربح والوصول الى مراكز القرار، فقد بتنا نشهد ظاهرة تودد بعض المثقفين لبعض المؤسسات والتخلي عن الدور الحقيقي والحضاري للمثقف».

وتضيف زهور كرام «إذا كان المثقف، باعتباره أحد أفراد المجتمع، له الحق في التصرف كما يشاء والتنازل متى أراد، فإنه لا يملك حق التصرف باسم الشرعية التي هي ملك لتراكم مرحلة وصياغة لأسئلة تجارب. إلى جانب أنه باسم هذه الشرعية وعبر خطابها ومعجمها، يتم تمرير قناعات مغايرة، فتستفيد المؤسسة من تاريخ شرعية المثقف، أكثر مما يستفيد هو منها ما عدا الجانب المادي والاطلالة الاعلامية، وهذا ما يجعله يتحول بدوره الى مؤسسة وسلطة تحجب صوت غيره من المثقفين الذين ظلوا أوفياء للموقع الشفاف والحر.

من هنا فدور المثقف دور خطير وهام في نفس الوقت، لهذا نجد الأنظمة السياسية سواء العربية أو المراكز الاعلامية الغربية خاصة الأميركية الموجودة في البلدان العربية، تستهدف أولا المثقف فتنشئ صياغات متعددة لاستقطابه عبر المنح أو تذاكر السفر. لكن لا ينبغي أن نفهم من شرعية المثقف العداء للمؤسسات والسلطة، لأن كل علاقة لها ضوابطها ومنطقها حتى لا تتحول الى الفعل المضاد، وحتى لا يتحول المثقف الى بوق للسلطة، ذلك أن حركة التاريخ قد تفرض نوعا من المصالحة وردم الهوة السحيقة بين المثقف والسلطة، وذلك عندما يحدث التلاقي بينهما في مستوى ادراك الأسئلة الكبرى للأمة. وعندما يلتقيان أو يتمكنان من التوصل الى النقطة المشتركة بينهما يؤدي ذلك الى إمداد الأمة بحركة ايجابية الى الأمام. وهذا شيء ايجابي يحسب للسلطة أولا التي استجابت لمبدأ التحول، واقتربت من خطاب المثقف على أساس أنه استراتيجية في التنمية الذهنية والحضارية، ويحسب للمثقف الذي نجح في تجسير الهوة الفاصلة بين المثقف والسلطة. لكن هذه المصالحة يجب أن تحكمها قواعد حتى تصبح فاعلة وحتى لا يحدث ذوبان المثقف في السلطة ويتوهم بأنه نجح في جعل السلطة تأخذ بخطابه وأسئلته، في حين أن السلطة تمكنت من استثمار شرعية خطابه وحواره ومعجمه. ولعل هذا النوع يشكل بدوره نوعا من الخطر الثقافي لأنه ينتج الالتباس والغموض الذي قد يؤدي الى عزلة المثقفين الآخرين الذين يختارون الصمت».

وعن مسألة تواجد مؤسسات ثقافية مستقلة بالعالم العربي بامكانها استيعاب المثقف تقول كرام «لا يمكن الحديث في التجربة العربية عن اطارات ثقافية مستقلة من شأنها أن تؤمن للمثقف المناخ الحر والمساحة الشفافة لكي ينجز رغبته في التصريح بدون وصاية، لأن الاستقلالية تخضع في النهاية الى طبيعة الميكانزمات التي تتحكم في العالم العربي التي تغيب فيها تقاليد الحوار والاختلاف والديمقراطية. عندما نتمعن في الواقع العربية اليوم نلاحظ تلاحق الأحداث واختلاط الأوراق ومحاولة تدمير الذاكرة العربية وفرض ذاكرة من عينة أخرى، وهي أشياء تدعو الى التعبير عنها بصراحة وإثارة نقاشات واسعة حولها، لكننا في نفس الوقت نسجل شيئا رهيبا من الصمت اللعين الذي بدأ يخترق السؤال الثقافي. فهل يحدث هذا بسبب تراجع المد الاديولوجي أم بسبب اختلال التوازنات، أم بسسب الفوضى الحاصلة في الساحة الثقافية العربية بسبب المواقع؟».

يتبع ..

البسيوي
09/04/2004, 02:45 AM
من جهته يجيب فخري صالح رئيس جمعية النقاد الأردنيين ونائب رئيس رابطة الكتاب الأردنيين عن اسئلة «الشرق الاوسط» فيقول عن خضوع المثقف لعوامل الجوع والخوف والمرض:

ليس المثقف، سواء في الوطن العربي أو في أي مكان آخر في العالم، نسيج وحده بحيث يمكن التعامل معه بوصفه ذا طبيعة رسالية بغض النظر عن ايمانه بأن عليه أن يحمل رسالة، فإن لم تكن له رسالة فإن وصفه بالمثقف ينتفي. لكن المثقفين أنواع لأنهم ببساطة بشر ينوءون تحت ضغط الواقع وثقل الحاجات ويتعرضون للجوع والخوف والقلق. ومن هنا لا يجوز أن نحمل المثقف أكثر مما يحتمل فهو قابل مثل غيره من البشر للترهيب والترغيب، والشراء والاستتباع. لكن المثقف يفقد دوره ورسالته في حال قبوله بأن يصبح ترساً صغيراً في آلة الدولة العملاقة وفي حال قبوله ان يخون ضميره ورسالته. ومن هنا فإنني أشدد على ضرورة ان يكون للمثقف دور نقدي تجاه الدولة والمجتمع كذلك.

اما عن محاولات رمي المثقفين الذين اضطروا للعمل في مؤسسات السلطة بالإدانة والعزل يقول صالح:

ليس المثقف العراقي وحده في زمن صدام حسين من انخرط في عملية استتباع الدولة للمثقف بل ان عدداً كبيراً من المثقفين في دول العرب من المحيط الى الخليج أصبح مسنناً في ترس الدولة ولم يكتف بهذا الدور بل قام بتسويغ سياسات الدولة الخاطئة ودافع عن هذه السياسات بحرارة لم يمتلكها رجالات الدولة. ولهذا فإن إدانتنا لعدد من المثقفين العراقيين الذين اشتغلوا في مؤسسات الدولة العراقية خلال فترة حكم صدام حسين فيه ظلم كبير لهؤلاء المثقفين خصوصاً هؤلاء الذين لم ينخرطوا منهم في تبجيل النظام كما يقول السؤال.

المشكلة في العالم العربي تكمن في ان الدولة تمتلك كل شيء وتدير كل المؤسسات بما في ذلك الاعلام والتعليم والثقافة والاقتصاد بحيث تسد الأفق في وجوه المثقفين وغير المثقفين وتغلق الباب في وجه أي فعل معارض لها، وتلاحق أي مثقف يخالفها الرأي، وتحرم أطفاله من لقمة العيش، فأي فضاء خانق هذا الذي يمكن المبدع من الابداع، والكاتب الحر من قول كلمته!

ويضيف: ان حرية المثقف بخاصة والمواطن بعامة مرتبطة بوجود أنظمة ديمقراطية تكفل حرية التعبير ولا تسمح لمؤسسة الدولة بتهديد المواطنين في لقمة عيشهم أو أسر حريتهم من خلال كم الافواه أو بالتغييب وراء جدران السجون. ستكون استقلالية المثقف ممكنة، وقدرته على ان يقول لا لما يراه خاطئاً، عندما تترسخ الديمقراطية في الوطن العربي ويصبح بامكان الناس جميعاً الذهاب الى صناديق الاقتراع لاختيار الاشخاص والاحزاب التي تلبي طموحاتهم وتحقق مصالحهم، ويكون القضاء مستقلاً لا يمكن التلاعب به من قبل السلطة التنفيذية.

ويؤكد فخري صالح ان قضية استقلالية المثقف: ليست قضية عربية بامتياز بل لها امثلتها ونماذجها في دول العالم المختلفة. لكن المقارنة بين المثقفين العرب والمثقفين الغربيين ظالمة لأن في الغرب هوامش واسعة من الحرية اذ ما قورنت بالعالم العربي، كما ان قبضة الدولة لا تمسك بمفاصل الحياة جميعها في تلك الدول، وباستطاعة أي مثقف أو كاتب أو صحافي ان يقول كلمته لأن هناك من سينشرها. أما المثقفون الغربيون الذين أصبحوا مسننات في ترس الدولة فهم الذين اختاروا ذلك ولم تهرسهم الدولة وتدفع بهم الى الحائط. كما ان النصف الثاني من القرن العشرين قد أتاح المجال لبعض المثقفين كي يبيعوا خبرتهم ومعرفتهم للدولة أو للشركات الخاصة أو للجهات ذات المصالح بغض النظر عن الأغراض التي تستخدم هذه المعرفة من أجلها. ولنا في أشخاص مثل المستشرق البريطاني الشهير برنارد لويس، أو المفكر اللبناني الأصل الأميركي الجنسية فؤاد عجمي، أو المثقف العراقي الاصل كنعان مكية الذي يعمل مستشاراً في وزارة الدفاع الأميركية، أمثلة على بيع الخبرات التي تستخدمها الإدارة الأميركية الحالية لقهر الشعوب واستعمار الدول والهيمنة على مقدراتها. ما أعنيه هو ان المثقف في العالم المعاصر يمكن ان يبيع خبرته ومعرفته ويجرد نفسه من الرسالة التي عليه ان يخدمها فهو يبيع سلعة من دون ان يكون لديه موقف من العالم وما يحدث فيه. لكنه في هذه الحالة يفقد احترامه ويجرد نفسه من صفة المثقف.

إنني أشدد في النهاية على ان المثقف العربي يتعرض منذ عقود لعملية هرس منظمة لكتم صوته أو استتباعه أو تهميشه لإفقاده الدور الذي كان يمارسه المثقف النهضوي والتنويري في أواخر القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين عندما كان المثقف جزءاً لا يتجزأ من أحزاب وتيارات ومصالح جماعية في فترة الاستعمار وبدايات التحرر منه. لكنني لا أبرئ هذا المثقف من قبوله بتحجيم نفسه واستجابته لترهيب السلطة وترغيبها فهو في النهاية صاحب دور ورسالة تمليهما عليه معرفته ووعيه.

يتبع ..

البسيوي
10/04/2004, 01:59 PM
منذ أمد ليس بقريب، وكلما اشتدت خيبات السياسي، يتم التوجه إلى المثقف بالسؤال عن هذه الخيبات، أو عن أحوال لواقع مترد لا علاقة له فيه، كذلك لا يد له، والمفارقة الطريفة في ذلك كله هو تضخيم الحديث عن دور المثقف واستقلاليته، في وقت يدرك فيه كثيرون أن «المثقف» لم يكن يوما إلا تابعا، أو ذيليا للسياسي برضاه أو قسرا، وفي احسن أحواله ناجيا بجلده، طالبا للسلامة في زمن يعانده.

وبرأيي لا تعدو فكرة «استقلالية المثقف» اكثر من كونها فكرة تحيل إلى مفهوم ذهني وتجريدي، وتقع ضمن خيارات الذهني الممكن لكنها بحال لا يمكن أن تكون ممكنا واقعيا يصمد أمام الممارسة الحياتية، ذلك أن المثقف العربي ليس نبتا بريا ونسيجا آخر مكتفيا بذاته، وهو ليس خارج النسق والبنية التي أفرزته ابتداء وهو بالضرورة أيضا وعلى صعيد ذهني ومعرفي أسير راسب «تراثي» وتاريخي طويل، وهو مستلب طوعا أو قسرا لهذا الإرث ـ الاستلاب التراثي ـ وهذه مصادرة أولى لمعنى الاستقلالية رغم كل محاولات القطع مع هذا الإرث وما يحيل إليه من بنية قبلية.

المسألة أيضا لا تقل خطورة إذا ما تم الحديث عن الراهن، بمعنى الممارسة الثقافية اليومية بدءا من مواجهة استحقاقات التصادم مع المنظومة القيمية الاجتماعية وانتهاء برعب السلطة والمصادرة الأمنية.

ومن هنا يبدو لي أن المثقف يملك اكثر من غيره حساسية للقلق لا لشيء جيني بل لأنه بالأساس مهووس بقلق التغييري والثقافي، هنا لا أريد أيضا أن أعطي المثقف دورا رساليا اكثر مما يجب ولكنها بنيته النقدية والتجاوزية على أية حال.

الى اي حد يستطيع المثقف مع وجود يحاصر لقمة عيشه ان يبقى مثقفا مستقلا، بمعنى ان ينتج معرفة ترتطم مع السائد من مؤسسة النظام الذي يعتاش منها، وهل نضجت أصلا «السلطة» لدينا لتقبل بالمثقف وشروطه بما يمنحه ان يكون مثقفا اي صاحب رؤية نقدية تتجاوز السائد وتتخطاه؟!

وإذا سلمنا بأن المثقف قادر على إقامة التوازن بين شرطه المعيشي وشرطه الثقافي، فإنه علينا أن نقبل بعد ذلك أو نتوقع خطابا توفيقيا وجمعا للأضداد! ليس من حق أحد عزل أحد، ولا حتى إدانته، على الأقل في ذلك الجانب الإنساني الذي يضطر معه ليس المثقف، بل كل إنسان أن يعمل في مؤسسات النظام. مطلوب هنا أن نصفح لرجل الأمن وان نغفر قمعه، فهو مضطر ... الخ.

من ناحية أخرى، ليس هناك مؤسسة مستقلة أصلا لتمنح الاستقلال والحرية للمثقف، في فترة ما كان الرهان على حركات التحرر والتي كان وقودها المثقفين، وحتى هذا، ما ان كان المثقف يرتطم مع خطوطها كان لا يفقد استقلاله وحسب، بل يفقد ذاته وحتى حياته أحيانا، ثم دعني أجازف وأسأل في ظل تراجع السياسي المريع، وفشل كل مشروعات النهضة العربية من هي المؤسسة المعنية الآن في الوطن العربي بالثقافة أصلا، فضلا عن أن تؤمن حماية مادية ومعنوية للمثقف.

ولا يبقى إلا مؤسسات التمويل الأجنبي، التي لها أيضا اجندتها الخاصة والتي يفترض أن تكون مرفوضة من المثقف نفسه. الشرط الإنساني واحد وهو نفسه، لدينا أو كما لدى الآخر، لكن المسألة لدينا اكثر حضورا، ذلك ان المثقف العربي افترض فيه ابتداء أن يكون طليعة أمة مغلوبة وكان عليه أن يعيش قدره المأساوي على الدوام بين نارين «غرائز الجماهير وسيف السلطة»، أو أن يختار بين ذهب المعز وسيفه وان يعيش المأساة بين غرب أو آخر يتجاوزه وشرق ينتهي إليه وعليه أن يقاوم استبداده وتخلفه.

أحمد الشريفي
باحث وعضو رابطة الكتاب الأردنية

يتبع ..

ورد الامل
10/04/2004, 08:10 PM
بـوركـت أخي البسيـوي .. نتـابـع معـك السيـرة المفتـوحـة هـذه .!

واصـل ولي في النهـاية إن سنحت لي الفـرصـة تعليقـاً مختصـراً :)

البسيوي
11/04/2004, 11:55 AM
ولكِ كل الشكر على المرور أختي الكريمة .. في إنتظار التعليق بعد نهاية الموضوع إنشاء الله :)

البسيوي
11/04/2004, 12:13 PM
ما زالت الاشكالية التي تطرحها الاسئلة تدور حول علاقة المثقف بالسلطة. وهي اشكالية ما تزال صالحة الى حد بعيد وخصوصاً في المجتمعات غير الغربية اي في المجتمعات الشديدة المركزية وغير الديمقراطية ومن الوجهة التاريخية المتعلقة بتكون المجتمعات الحديثة بعد الثورة الفرنسية. بل قبل ذلك حين يتعلق الامر ببلدان مثل بريطانيا وهولندا، فإن العلاقة بالسلطة، وبمعنى ادق بالدولة، ليست بالضرورة هي علاقة تناقض وعداء.

ان النموذج الفرنسي للمثقف على امتداد القرن العشرين، ومنذ مقالة الكاتب والاديب اميل زولا عام 1898، التي حملت العنوان الشهير: «اني اتهم»، قدم صورة المثقف المعارض وصاحب القضية. وقد وجد المثقفون في الصحافة وفي دور النشر مؤسسات تحتضن افكارهم المعارضة. لكن النموذج الفرنسي الذي استهوى العديد من المثقفين في بلدان العالم، وخصوصاً في البلدان النامية، كان المثقف داعية للتطور والتغيير وناقداً للتقليد والجمود.

ومع ذلك فإن الصيغة الفرنسية، ولنقل «اللاتينية»، للمثقف ليست هي نفسها التي عرفت لدى «الألمان» وفي الفضاء النطاقي «الانكلوساكسوني». في المانيا لعب المثقفون والمفكرون والفلاسفة دوراً بارزاً في الوحدة وبناء الدولة، كان المثقفون هم اساتذة الجامعة من فيخته وهيغل الى هيدغر الى مدرسة فرانكفورت. وكانت الجامعات في اوروبا قاطبة مؤسسات حرة ومستقلة واغلبها سبق وجوده وجود الدول، وفي التقليد الانكلوساكسوني الذي انتقل الى اميركا، فإن «الثقافة» تعمل من ضمن مؤسسات راسخة ويتولاها متخصصون في العلوم السياسية والفكر والتاريخ. ولهذا فإن مصطلح «مثقف» ليس له دلالة، وغير شائعة الاستخدام اذا ابتعدنا عن النموذج والتجربة في فرنسا في القرن العشرين المنصرم. وأحد كبار المثقفين الفرنسيين ريجيس دوبريه نعى في كتاب صدر له منذ سنتين مفهوم المثقف. وبهذا المعنى فإن مفهوم المثقف ينتمي الى مرحلة تاريخية انطوت. وقد ازدهر هذا المفهوم مع انتشار موجات اليسار وخصوصاً في ستينات القرن الماضي، وقبل ذلك في النضال ضد الفاشية، وفي دعم حركات التحرر في العالم الثالث الخ. ولكن انهيار الايديولوجيات الكبرى، واختفاء «اليساري» المعارض، قد افسح المجال امام بروز اشكال اكثر فعالية، تتمثل في هيئات ومنظمات تضم الناشطين في الحقول المختلفة للمجتمع المدني، من المدافعين عن حقوق التمييز. لقد انتهى فعلاً مفهوم المثقف ـ الرمز ليحل مكانه مفهوم جديد هو: نشاط وفعالية المجتمع المدني.

ان مشكلة العالم العربي وسمته الغالبة هي التأخر. وليست انظمة الاستبداد وحدها المسؤولية عن التأخر. ومثال نصر حامد ابو زيد مثال على ان مشكلة «المثقف» او الفكر ليست مع الدولة فقط ولكن مع مجتمعه ايضاً.

لكن ذلك لا يعفي الانظمة من مسؤوليتها في الغاء التفكير ومنعه وملاحقة مرتكبيه. لكن من التزم في ظل نظام صدام حسين، الالتحاق بالنظام وتبرير اعماله ومدح الديكتاتور،لا يمكن ايجاد مبررات له بأي حال.

ان المثقف ليس نسيجاً فريداً. علماً بأن كلمة مثقف باتت بلا دلالة، طالما انها تشير الى اشخاص يمارسون نشاطات والواناً مختلفة من الابداع الادبي الى النقد الى التدريس الى التأليف الاكاديمي الى الكتابة الصحافية الى الرسم والنحت والتمثيل والاخراج. انها مقولة متباينة تتطلب تخصصاً وتدريباً على العمل. واذا كان في البلدان المتعثرة النمو والتي يسلبها حكامها حرية التعبير والرأي، فإنهم مدعوون للعمل على الانخراط في الدفاع عن الحقوق البديهية للمواطنين، وان يكفوا عن اعتبار انفسهم انبياء.

خالد زيادة
كاتب لبناني

يتبع ..

البسيوي
13/04/2004, 05:09 PM
ان الثقافة سلطة لانها رؤية شخصية للعالم مرتبطة بقناعة الفرد وادراكه لواقعة الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والديني ودائما ما تعرف الثقافة بأنها الحاضر مشغولا بالمستقبل، وبخلق الرأي ونقله من وعي الى آخر. الثقافة هي التجاوز الى مزيد من الحرية مزيد من التقدم الاجتماعي والسياسي والتقني، ولذلك هي الغد، لكنها للأسف سلاح ذو حدين لان هناك ثقافة المثقف وثقافة السلطة، والفارق ضخم وواسع بين الاثنين.

ويقسم العالم الثقافة الى ثقافة السلطة، وسلطة الثقافة مشيرا الى ان ثقافة السلطة هي التي تستخدم الثقافة من اجل تثبيت الحاضر، وتجميد الواقع ويساعدها في هذا المثقف الذي تتفق مصالحه مع مصالحها، وهو هنا يكون بعيدا عن الثقافة.

ومصلحة المثقف الحقيقي المزيد من العلم، ومن الثقافة، ومن التقدم، ومن السعي الى المستقبل الافضل والاجمل والاقيم، اما مثقف السلطة فلا يريد سوى المزيد من السلطة، والالتصاق بكرسيه حتى يصعد الى كرسي اعلى بغض النظر عن القمع الذي يمارسه من خلال منصبه لهذه الثقافة.

ان هناك صراعا بين ثقافة السلطة، وسلطة الثقافة في كافة مصادر النظام، الاذاعة والتليفزيون والجرائد والمجلات والقنوات الفضائية، مشيرا الى ان الخطاب الصحافي تستخدمه السلطة كوسيلة لتبث منها افكارها، وهي وسيلة من اخطر الوسائل حيث تقوم بعمل غسيل لأدمغة الملايين من الابرياء، وهي ثقافة ضخت في رأس الفلاح من خلال الاذاعة والتليفزيون والجرائد فأصبح يتحرك بها وهي ثقافة لا بد من التحذير منها لانها تأكل كل ما تبقى من عادات وتقاليد وموروث باق في ذهن الفلاح البسيط.

ان الثقافة هي اخطر الوسائل التي تستخدمها الدول والحكومات لان الأمن بوسائله لا يستطيع ان يغير ما تغيره الثقافة التي تصوغ وعي الانسان عبر ما تبثه السلطة في وسائل اعلامها، وهناك محاولة لاستخدام المثقفين المذعنين أو من يسمون بوعاظ السلاطين أو أجواخ السلاطين أو «المبرراتية» وهؤلاء يستخدمون في كل العالم، فأميركا رغم انها الدولة الاولى وتقف على رأس النظام الرأسمالي الا انها تستخدم الثقافة استخداما معكوسا، فهي في الوقت الذي تقول انها دخلت العراق لكي تفتش عن اسلحة الدمار الشامل نجدها تستخدم اسلحة الدمار الشامل في العراق، في الوقت الذي تقول انها ستعيد الحرية للعراق نجدها تقتل الحرية، يتكلمون عن الديمقراطية، في الوقت الذي يقمعون فيه الديمقراطية، وهذا يعود الى تحالف ثقافي ديني بين الاصولية الأميركية والقيادات الصهيونية وعلى هذا الاساس ينبغي ان نحسن الفرز الثقافي بين الثقافات التي نتلقاها تحت اسم العولمة.

والمثقف يذعن للسلطة في حالات منها انه قد يكون مقتنعا بفكر السلطة الضحل، وحدود فكره وثقافته لا تسمح بأكثر من هذا، اما عن جهل منه، أو عنجهية أو عن مصلحة، أو عن شيء اخر ناجم عن هذه الثقافة السلطوية، التعليمية، لان التعليم لدينا ـ والكلام للعالم ـ تعليم من اجل السوق والدولة تفتخر بهذا مع انه يقتل روح البحث والابتكار ويسيد روح التقليد.

ان كل الشعوب مغيبة ثقافيا، فالشعب الأميركي ذاته مغيب ثقافيا لان سيطرة الاذاعة والتليفزيون عليه سيطرة رهيبة، والأميركي العادي تافه وغير مثقف لان الذين يملكون الثقافة هنا وهناك هم تجار البترول والسلاح، وهم الذين يحكمون البلاد، لذلك تأتي الثقافة انعكاسا لتطلعاتهم الضحلة، تقل الثقافة النوعية وتسود ثقافة التعمية.

وأطالب هنا المثقفين بتكوين اتحادات للمثقفين المستقلين حتى يحيوا الثقافة التي تحولت الى ثقافة مصلحية براجماتية نفعية ذرائعية وليست ثقافة بناء الانسان، وبعد ان تحول العالم الى العمل لحساب السياسة، والثقافة تعمل لحساب السياسة، وتحولت الثقافة لدى السلطات الى اداة لقهر الشعوب، وتحولت على يد أميركا الى اداة لاحتلال العراق والهيمنة على العالم.

ان معركة الثقافة كبيرة، بل هي معركة المعارك وهي السلاح الذي تستخدمه السلطات لمزيد من السلطة والقهر والاستعلاء وقمع الثقافة الحقيقية وطيها وهو ما يتطلب من المثقفين اقامة اتحادات تعبر عن رأيهم ضد السلطة.

محمود أمين العالم

يتبع ..

البسيوي
15/04/2004, 12:05 PM
ان استقلالية المثقف اشكالية كبيرة، وليس من السهل تناولها خاصة مع الوضع الراهن المتأزم للثقافة العربية، كما ان استقلالية المثقف العربي وفي ظل الانظمة العربية الحاكمة ليس ممكنا دائما، في كل الظروف وفي كل البلدان، لان هذا يتوقف على موقف السلطة من المثقف ومدى اهتمامها به أو تجاهلها له، ومدى ادراكها قيمة صوته وتأثيره من عدمه، وليس كل سلطة تأخذ نفس الموقف، فهناك سلطات لا تهتم بالثقافة اصلا وتراها عملا هامشيا، وهناك سلطات ترى ان الثقافة تؤثر في الناس لذا تضعها في اولى اهتماماتها وبالتالي تحاول استقطاب المثقف، واحيانا عندما تكون السلطة والمؤسسات الثقافية بها، ليست هوجاء فهي تسمح للمثقف بأن يمارس استقلاليته، وان يعمل فيها في نفس الوقت.

وعندما يمارس المثقف هذا الاستقلال فان السلطة عادة تعاقبه بأن تمنع معه أي تعاون، وبالتالي ينعزل المثقف عن المجتمع، ويخرس صوته، لان الاستقلال لا يعجب السلطة التي تحب ان تكون كل الاصوات تحت سيطرتها وخارجة عن طريقها، وفي هذه الاحوال يكون افضل التوقعات ان تسكت السلطات فقط عند هذا الحد والا تسارع بحبس هذا المستقل.

جلال امين
باحث مصري

البسيوي
18/04/2004, 11:19 AM
ليس هناك استقلال للمثقف ايا كان لان المثقف جزء منظومة العالم، ومعنى استقلاليته انه سينفصل عن احتياجاته التي ستعينه على الحياة، ولانه متأثر بعوامل زمنية ومكانية ومناخية وبيئية، لذا يمكن القول ان كلمة استقلالية كلمة غامضة وليس لها مدلول في هذا السياق، سواء كانت هذه الاستقلالية للمثقف أو لغير المثقف في القرن الـ 21 خاصة وانه يعتمد على اشياء خارجية كثيره تمنع استقلاليته.

ولو فرضنا ان المثقف ينتمي الى حزب من الاحزاب المعارضة فهو هنا لن يكون مستقلا ايضا، ولو كان خاضعا لمذهب ديني من المذاهب، والانسان ينتمي بطبيعته لاشياء معينة، ولا يوجد انسان مستقل، وغير خاضع لحدود، لا بد ان يكون خاضعا لعدة شروط في المجتمع حتى يستطيع ان يعيش، الاستقلالية بالمعنى المطلق مستحيلة أما بالمعنى النسبي فهي ممكنة اذا التف حول القيود، والاديب الذي يكتب رواية من الممكن ان يكون مستقلا في حدود لانه لو كتب وخرج عن الحدود التي اتاحها له المجتمع فلن يكون ذلك مسموحا له وسيصادر.

ان الكاتب مستقل عن السلطة بشروط، لكن لا توجد استقلالية مطلقة، بل تتسع وتضيق حسب الديمقراطية الموجودة في البلد، والكاتب يستطيع أن يستغل المسافة المتاحة ويكتب فيها، والكتاب الروس قبل الثورة الشيوعية مثل جوركي وتشيكوف وديستوفيسكي كتبوا افضل من الكتاب الذين كتبوا اثناء النظام الشيوعي رغم قيود المصادرة، وكانوا ثائرين على هذا النظام.

لا يوجد الآن ما يحمي المثقف سوى شهرته، فاذا كان مشهورا واخطأ فسوف تخاف السلطة من الاقتراب منه، وعلى سبيل المثال عندما ارادوا في فرنسا القبض على جان بول سارتر رفض ديجول وقال مقولته الشهيرة «ان فرنسا هي سارتر»، فلو كان الاديب مشهورا فستحميه هذه الشهرة لان القبض عليه سيكون مسألة معيبة في حق الحكومة والسلطة وليس في صالحها ان تضيق عليه، لكن الاديب العادي من السهل جدا القبض عليه والزج به الى خلف السجون ومحاكمته لانه لا يوجد من يدافع عن هذا المثقف.

يوسف الشاروني
روائي مصري

عشق البنفسج
17/05/2004, 07:10 AM
شكرا جزيلا ...

مجهود تشكر عليه ...