مرشد عمان
27/02/2004, 12:56 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حين يتنبأ كاتب يهودى صهيونى بانهيار الدولة العبرية خلال نصف القرن الحالى، فهو بالقطع لا يفعل ذلك من قبيل الشماتة او الارتياح لزوال "رمز المجد والفخار" كما يقول، وإنما من باب التحذير وتوجيه الانذار الى كل من يهمه امر اسرائيل.
و كلمة الاهداء في هذا الكتاب: "الى امى التى جعلتنى يهوديا، وابى الذى جعلنى صهيونيا، وقادة دولة اسرائيل، على امل ان يتجدد فى القريب العاجل افتخار كل منا بالآخر". وقد اصدر "اورى وزولى" كتابه:
هل ستبقى اسرائيل حتى عام 2048؟
فى غمرة الاحتفالات بالعيد الخمسين لدولة اسرائيل، ولم يصرفه حديث الانجازات والنجاحات عن رؤية السوس الذى ينخر فى عظام الدولة، والعوامل التحتية التى تهدد كيانها بالفناء، ويتوقع انهيارها خلال هذه العقود الزمنية القريبة، وهو لا يبنى استنتاجاته على تنبؤات غيبية كما يفعل المنجمون وقراء الطوالع، وانما على رؤية دقيقة للواقع المعاش، وفى ذلك يستشهد بكلمة وردت فى التلمود تقول: "منذ اليوم الذى هدم فيه "الهيكل"، وموهبة التنبؤ سلبت من الانبياء ليعبث بها الاطفال والمجانين".
وهو يؤمن بصحة هذه المقولة ويعقب عليها: بأن فن التقدير والتوقع - الذى هو القدرة على تحديد ابعاد الدعايات المنطقية لفعل معين - لايزال من الممكن ممارسته فى اى وقت، فالتوقع هو بديل التنبؤ، ولذلك فهو يرصد تصرفات حكام دولة اسرائيل ويستخلص الاحكام التى سوف تترتب عليها، ويضرب على ذلك مثلا له دلالته: لو انك رفعت يدك على *** شرس بعد محاصرته فى زاوية ضيقة، فان مسألة التكهن بانك معرض للعض منه، لا تحتاج الى الهام سماوى لإدراك هذه المحصلة المنطقية. ومثل آخر اكثر دلالة، واكثر تمشيا مع منطقية استنباط الاحكام: اذا استقر اربعمائه متطرف يهودى مسلحون، بالقوة، فى قلب مدينة الخليل التى يقطنها مائة وعشرون الف عربى اشتهروا بتزمتهم الدينى: فلسنا فى حاجة الى علامة من السماء لنتوقع حدوث اشتباكات دامية بانتظام. وعلى هذا النحو يجرى المؤلف فى متابعة التخبطات التى سار اليها حكام اسرائيل والتى ستؤدى الى انهيار الحلم على ايدى صناع الحلم.
فى مقدمة الكتاب يقول "فكتور سيجيلمان" مراسل صحيفة لوسوار البلجيكية، ومجلة لونوفيل اوبسرفاتور الفرنسية فى اسرائيل : ان اهمية هذا الكتاب تكمن فى تحليلاته حول توقف مسيرة السلام، والانقسامات الدفينة، والمفاهيم الايديولوجية للقيادات الاسرائيلية المسؤولة عن تجميد المفاوضات،والعواقب الوخيمة التى ستؤثر على فرص بقاء دولة اسرائيل، وكاتب المقدمة لايشك فى ان انتقادات "وزولى" لتوجيهات الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة حيال العرب والفلسطينيين ستؤذى مشاعر القارئ اليهودى. فى مستهل الكتاب، ينبه المؤلف الى انه استعار العنوان من كتاب نشره المنشق السوفييتى "اندريتى املريك " فى عام 1970، وكان يدور حول المصير المحتمل للاتحاد السوفييتى فى المستقبل المنظور، وذلك تحت عنوان (هل سيكون للاتحاد السوفييتى اثر فى حيز الوجود فى عام 1948؟)
ولقد بدا هذا السؤال بمثابة ضرب من الخيال الجامح فى عصر كانت تهيمن فيه الايديولوجية الشيوعية على قطاع لا بأس به من سكان كوكبنا، فى حين كان اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية، القطب الثانى الاعظم على مستوى العالم، يتصدى كند للولايات المتحدة، بل ويتفوق عليها احيانا على المسرح العالمى، واذا كان "املريك " قد جانبه الصواب تماما فى توقعاته (حيث كان يتصور ان ثمة حربا ستنشب بين موسكو وبكين فيما بين عامى 1975 و1980 مما يستنزف قدرات الاتحاد السوفييتى ويؤدى الى سقوطه) فان رؤيته كانت سليمة تماما من حيث الجوهر، بديل انه بفارق تأخير خمس سنوات تقريبا: بدأت الامبراطورية السوفييتية تمضى فى طريق الافول فى عام 1989 تزامنا مع سقوط سور برلين، اما الغلطة التى وقع فيها املريك فكانت بصدد ترتيب سريان الاحداث، وليس بصدد النهاية التى آلت اليها. وعلى غرار ما سبق - يتوقع وزولى - ان تتطابق الطرق التى ستنتهجها دولة اسرائيل خلال الخمسين عاما القادمة بحذافيرها مع الطرق المطروحة فى هذا الكتاب، وطبقا للاتجاه الذى ستختاره: سيتحدد مصيرها بشكل متناغم مع اى من التطورات المفصلة فى صفحات الكتاب: اما باندماجها السلمى فى المنطقة، او بزوالها من الوجود على المدى المتوسط او البعيد. فى ختام هذه الديباجة يحرص "وزولى" على اثبات نقطة الخلاف الجوهرية بينه وبين / انديتى املريك وهى: "اذا كان المنشق السوفييتى يتمنى من صميم قلبه زوال الاتحاد السوفييتى، فان الكاتب الصهيونى يرى ان فناء اسرائيل سيكون بمثابة افدح كارثة للشعب اليهودى وللبشرية جمعاء". وبعيدا عن تمنيات هذا وذاك، فان الذى يهمنا هو التوقعات التى يراها المؤلف كفيلة بانحدار اسرائيل نحو الهاوية.
(منقول من مجلة الشرق )
تحياتي لكم
حين يتنبأ كاتب يهودى صهيونى بانهيار الدولة العبرية خلال نصف القرن الحالى، فهو بالقطع لا يفعل ذلك من قبيل الشماتة او الارتياح لزوال "رمز المجد والفخار" كما يقول، وإنما من باب التحذير وتوجيه الانذار الى كل من يهمه امر اسرائيل.
و كلمة الاهداء في هذا الكتاب: "الى امى التى جعلتنى يهوديا، وابى الذى جعلنى صهيونيا، وقادة دولة اسرائيل، على امل ان يتجدد فى القريب العاجل افتخار كل منا بالآخر". وقد اصدر "اورى وزولى" كتابه:
هل ستبقى اسرائيل حتى عام 2048؟
فى غمرة الاحتفالات بالعيد الخمسين لدولة اسرائيل، ولم يصرفه حديث الانجازات والنجاحات عن رؤية السوس الذى ينخر فى عظام الدولة، والعوامل التحتية التى تهدد كيانها بالفناء، ويتوقع انهيارها خلال هذه العقود الزمنية القريبة، وهو لا يبنى استنتاجاته على تنبؤات غيبية كما يفعل المنجمون وقراء الطوالع، وانما على رؤية دقيقة للواقع المعاش، وفى ذلك يستشهد بكلمة وردت فى التلمود تقول: "منذ اليوم الذى هدم فيه "الهيكل"، وموهبة التنبؤ سلبت من الانبياء ليعبث بها الاطفال والمجانين".
وهو يؤمن بصحة هذه المقولة ويعقب عليها: بأن فن التقدير والتوقع - الذى هو القدرة على تحديد ابعاد الدعايات المنطقية لفعل معين - لايزال من الممكن ممارسته فى اى وقت، فالتوقع هو بديل التنبؤ، ولذلك فهو يرصد تصرفات حكام دولة اسرائيل ويستخلص الاحكام التى سوف تترتب عليها، ويضرب على ذلك مثلا له دلالته: لو انك رفعت يدك على *** شرس بعد محاصرته فى زاوية ضيقة، فان مسألة التكهن بانك معرض للعض منه، لا تحتاج الى الهام سماوى لإدراك هذه المحصلة المنطقية. ومثل آخر اكثر دلالة، واكثر تمشيا مع منطقية استنباط الاحكام: اذا استقر اربعمائه متطرف يهودى مسلحون، بالقوة، فى قلب مدينة الخليل التى يقطنها مائة وعشرون الف عربى اشتهروا بتزمتهم الدينى: فلسنا فى حاجة الى علامة من السماء لنتوقع حدوث اشتباكات دامية بانتظام. وعلى هذا النحو يجرى المؤلف فى متابعة التخبطات التى سار اليها حكام اسرائيل والتى ستؤدى الى انهيار الحلم على ايدى صناع الحلم.
فى مقدمة الكتاب يقول "فكتور سيجيلمان" مراسل صحيفة لوسوار البلجيكية، ومجلة لونوفيل اوبسرفاتور الفرنسية فى اسرائيل : ان اهمية هذا الكتاب تكمن فى تحليلاته حول توقف مسيرة السلام، والانقسامات الدفينة، والمفاهيم الايديولوجية للقيادات الاسرائيلية المسؤولة عن تجميد المفاوضات،والعواقب الوخيمة التى ستؤثر على فرص بقاء دولة اسرائيل، وكاتب المقدمة لايشك فى ان انتقادات "وزولى" لتوجيهات الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة حيال العرب والفلسطينيين ستؤذى مشاعر القارئ اليهودى. فى مستهل الكتاب، ينبه المؤلف الى انه استعار العنوان من كتاب نشره المنشق السوفييتى "اندريتى املريك " فى عام 1970، وكان يدور حول المصير المحتمل للاتحاد السوفييتى فى المستقبل المنظور، وذلك تحت عنوان (هل سيكون للاتحاد السوفييتى اثر فى حيز الوجود فى عام 1948؟)
ولقد بدا هذا السؤال بمثابة ضرب من الخيال الجامح فى عصر كانت تهيمن فيه الايديولوجية الشيوعية على قطاع لا بأس به من سكان كوكبنا، فى حين كان اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية، القطب الثانى الاعظم على مستوى العالم، يتصدى كند للولايات المتحدة، بل ويتفوق عليها احيانا على المسرح العالمى، واذا كان "املريك " قد جانبه الصواب تماما فى توقعاته (حيث كان يتصور ان ثمة حربا ستنشب بين موسكو وبكين فيما بين عامى 1975 و1980 مما يستنزف قدرات الاتحاد السوفييتى ويؤدى الى سقوطه) فان رؤيته كانت سليمة تماما من حيث الجوهر، بديل انه بفارق تأخير خمس سنوات تقريبا: بدأت الامبراطورية السوفييتية تمضى فى طريق الافول فى عام 1989 تزامنا مع سقوط سور برلين، اما الغلطة التى وقع فيها املريك فكانت بصدد ترتيب سريان الاحداث، وليس بصدد النهاية التى آلت اليها. وعلى غرار ما سبق - يتوقع وزولى - ان تتطابق الطرق التى ستنتهجها دولة اسرائيل خلال الخمسين عاما القادمة بحذافيرها مع الطرق المطروحة فى هذا الكتاب، وطبقا للاتجاه الذى ستختاره: سيتحدد مصيرها بشكل متناغم مع اى من التطورات المفصلة فى صفحات الكتاب: اما باندماجها السلمى فى المنطقة، او بزوالها من الوجود على المدى المتوسط او البعيد. فى ختام هذه الديباجة يحرص "وزولى" على اثبات نقطة الخلاف الجوهرية بينه وبين / انديتى املريك وهى: "اذا كان المنشق السوفييتى يتمنى من صميم قلبه زوال الاتحاد السوفييتى، فان الكاتب الصهيونى يرى ان فناء اسرائيل سيكون بمثابة افدح كارثة للشعب اليهودى وللبشرية جمعاء". وبعيدا عن تمنيات هذا وذاك، فان الذى يهمنا هو التوقعات التى يراها المؤلف كفيلة بانحدار اسرائيل نحو الهاوية.
(منقول من مجلة الشرق )
تحياتي لكم